في كواليس السياسة الدولية، هناك مخططات لا تُعلن على الملأ، وتحركات تُنفذ بصمت، لتغيير موازين القوى وإعادة رسم خرائط النفوذ. ما كشفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمره الصحفي الأخير مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد يبدو مجرد مشروع اقتصادي طموح، لكنه في الحقيقة يخفي وراءه مخططًا جيوسياسيًا قد يكون الأخطر في المنطقة منذ عقود. فهل تكون غزة الحلقة المفقودة في هذا المشروع؟ وهل يتحول القطاع المحاصر إلى مركز تجاري دولي بعد تفريغه من سكانه الأصليين؟
لغز الممر التجاري: لماذا الآن؟
خلال المؤتمر الصحفي، أعلن ترامب عن إطلاق ما وصفه بـ”أحد أعظم طرق التجارة في التاريخ”، يمتد من الهند إلى إسرائيل، ثم إلى إيطاليا، وصولًا إلى الولايات المتحدة. لكن الغريب أن الإعلان لم يتطرق إلى المسار الدقيق لهذا المشروع، ولا إلى الأطراف التي قد تتأثر به. فما الذي لم يُذكر؟ ولماذا يتم الحديث عن هذا المشروع في هذا التوقيت تحديدًا؟
إذا تتبعنا التطورات الأخيرة في غزة، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بشن حرب ضارية على القطاع، بل بدأ يتحدث علنًا عن “خيارات لما بعد الحرب”، تتضمن تهجير السكان، وإعادة تشكيل الوضع الجغرافي للقطاع. في الوقت نفسه، يتزايد الحديث عن ضرورة إيجاد “حل نهائي” لمعضلة غزة، وهي نفس العبارات التي سبقت عمليات تهجير كبرى في التاريخ، من فلسطين عام 1948 إلى نكبات مماثلة في مناطق أخرى من العالم.
مشروع “الاستيلاء”: كيف يتم تنفيذ المخطط؟
بحسب معلومات سرية يتم تداولها في الأوساط الدبلوماسية، فإن هناك خطة ثلاثية الأبعاد يجري العمل عليها، وتستهدف غزة بشكل مباشر:
١- تفريغ القطاع من السكان: عبر تصعيد الحرب والضغوط الاقتصادية، ودفع الفلسطينيين للفرار إلى خارج القطاع، سواء إلى سيناء أو إلى أماكن أخرى، تحت غطاء “عمليات إنسانية”.
٢- إعادة توظيف غزة كمركز تجاري عالمي
بعد إخلائها، يتم تحويل القطاع إلى منطقة تجارية حرة تخدم المشروع الاقتصادي الجديد الذي أعلن عنه ترامب، بحيث تصبح غزة محطة رئيسية في هذا الممر بين الهند وأوروبا.
٣- تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا.
عبر إزالة غزة ككيان سياسي مستقل، وإنهاء فكرة وجود دولة فلسطينية، وإعادة رسم الخريطة لصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
هل المشروع مرتبط بخطة قديمة؟
المثير للاهتمام أن الحديث عن غزة كمركز تجاري ليس جديدًا، بل يعود إلى وثائق إسرائيلية سابقة تحدثت عن فكرة إنشاء “هونغ كونغ الشرق الأوسط” في القطاع، بحيث يتحول إلى مركز اقتصادي عالمي تحت السيطرة الإسرائيلية. واليوم، ومع إعلان ترامب عن مشروعه الجديد، تبدو الفكرة أقرب إلى التنفيذ من أي وقت مضى.
دور الهند وإسرائيل في المخطط
لماذا تشارك الهند في هذا المشروع؟ ولماذا تُصر إسرائيل على أن تكون جزءًا أساسيًا منه؟ الإجابة تكمن في المصالح الاقتصادية والعسكرية المشتركة:
١- الهند تسعى إلى تعزيز وصولها إلى الأسواق الأوروبية عبر طريق تجاري سريع يمر عبر الشرق الأوسط، بدلًا من الاعتماد على طرق بحرية مكلفة وبطيئة.
٢- إسرائيل ترى في المشروع فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها الاقتصادي، والسيطرة على تجارة ضخمة بين آسيا وأوروبا، دون الحاجة إلى المرور عبر قنوات مثل قناة السويس.
٣- الولايات المتحدة تريد فرض واقع جديد في الشرق الأوسط، حيث تكون إسرائيل هي المركز التجاري الأهم، ويتم إنهاء أي وجود فلسطيني مستقل في غزة.
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
في ظل هذا السيناريو، فإن المرحلة القادمة قد تشهد:
١- تصعيدًا عسكريًا أكبر في غزة، لدفع السكان نحو الهجرة القسرية.
٢-تسريبات حول “صفقة إغراء” لسكان القطاع، تشمل وعودًا بتعويضات مالية لمن يغادرون، في محاولة لإضفاء الشرعية على التهجير.
٣- إعلانات اقتصادية مبهمة حول مشاريع جديدة في غزة، دون الكشف عن تفاصيلها الحقيقية.
هل نحن أمام مؤامرة كبرى؟
قد يبدو المشروع الذي أعلن عنه ترامب ظاهريًا مجرد خطة اقتصادية، لكنه في جوهره قد يكون إعادة تشكيل لجغرافيا الشرق الأوسط، بطرق غير مسبوقة. فهل يتمكن الفلسطينيون من إحباط هذا المخطط؟ وهل ستقف الدول العربية مكتوفة الأيدي؟ الأسابيع القادمة قد تحمل مفاجآت تكشف المزيد من أسرار هذه الصفقة التي تُطبخ في الكواليس.