اللواء أ.ح صلاح المعداوي يكتب: تصنيفات للدول في السياسة المعاصرة >> قراءة في أنماط القوة والسقوط

في عالم متقلب تحكمه التحالفات المتشابكة والتحديات العابرة للحدود ، لم تعد القوة مجرد سلاح أو اقتصاد فقط ، بل أصبحت فوق ذلك مزيجًا معقدًا من الشرعية ، والاستقرار ، ومرونة النظام السياسي.
وفي هذا السياق >> يقدّم اللواء أركان حرب صلاح المعداوي، محافظ الدقهلية الأسبق ، تصنيفًا عصرياً مختصرًا لكنه غني بالدلالات، يسلّط الضوء على الفروقات الجوهرية بين أنماط الدول ، في بنيتها السياسية وسلوكها ومدى صمودها خلال الأزمات .

أولًا : الدول الديمقراطية القوية
– تتأذى ولكن لا تنهزم
تتميّز هذه الدول بوجود مؤسسات مستقلة، ودساتير محترمة، وآليات فعالة لتداول السلطة، مما يمنحها قدرة داخلية عالية على الصمود في وجه الأزمات دون أن تتعرض للانهيار.
إنها دول قد تمر بمراحل اضطراب سياسي أو اقتصادي، وقد تتعرض لهجمات خارجية، ولكن قوة العقد الاجتماعي ومتانة النظام الدستوري تمنعها من السقوط الكامل أو التفكك.
على سبيل المثال،
الولايات المتحدة ، شهدت أزمات اقتصادية حادة، واحتجاجات داخلية، وهجمات إرهابية كبرى، لكنها بقيت دولة فاعلة ومتماسكة، قادرة على تصحيح مسارها بوسائل ديمقراطية.
وكذلك مصر ، التي واجهت تحديات جسام خلال العقد الماضي، بدءًا من الفوضى السياسية، وصولًا إلى الحروب على الإرهاب، لكنها نجحت في الحفاظ على الدولة، وبناء استقرار جديد عزز موقعها الإقليمي والدولي.

ثانيًا: الدول الديكتاتورية القوية
– قد تنهزم رغم مظاهر الصلابة
وهذا النمط من الدول يتمتع بقدرات أمنية عالية، ونُظم مركزية صارمة، لكنه يفتقد في الغالب لمرونة القرار السياسي أو التأييد الشعبي الحقيقي.
تعتمد هذه الأنظمة على السيطرة، لكنها لا تملك شبكة أمان داخلية تمكّنها من التعافي إذا اختلت موازين القوى، أو انقلب الشارع عليها، أو تم استهدافها خارجيًا.
وعلى سبيل المثال
نموذج إيران يُبرز هذا التحدي: دولة ذات نفوذ إقليمي واسع، وبنية عسكرية قوية، لكنها تعيش ضغوطًا متواصلة بسبب غياب الانفتاح السياسي وتصارع نسيجها الداخلى ، وتوتر علاقاتها الدولية.
ومثلها أيضاً كوريا الشمالية ، التي تبدو منيعة أمام الخارج، لكنها عُرضة لانهيار داخلي مفاجئ إذا ما تغيرت المعادلات الجيوسياسية أو حدث انفجار اجتماعي !!!!!.

ثالثًا: الدول الديكتاتورية الضعيفة
– تنهار تحت الضغط
هنا يتلاقى القمع السياسي مع ضعف مؤسسات الدولة، في بيئة هشّة لا تملك أدوات الصمود. في هذه الدول، لا ديمقراطية تُنقذها، ولا قوة أمنية تُسندها وقت الانهيار.
غالبًا ما تتحول هذه الدول إلى مسارح لحروب أهلية، أو يتم تفكيكها عبر التدخلات الخارجية، أو تسقط ببساطة تحت ثقل الانقسامات الداخلية والفساد.
ومثال على ذلك
سوريا و اليمن مثالان بارزان:
دول تمحور فيها الحكم حول السلطة الفردية والطائفية ، وضعُفت فيها مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ومع أول أزمة كبرى تفككت البنية الوطنية وانهارت الهياكل، وتحولت إلى ساحات صراع بالوكالة.

رابعًا: الدول التابعة لقوة كبرى
– بلا قرار مستقل
هذه الفئة من الدول قد تبدو متقدمة اقتصاديًا أو قوية عسكريًا، لكن قرارها الاستراتيجي في الغالب مرتهن لقوة أكبر تدعمها أو تتحكم بها.
وهي دول تلعب أدوارًا مرسومة ضمن ترتيبات دولية، ولا تملك هامش مناورة حقيقي، وتُجبر على التراجع إذا تغير موقف “الحليف الدولي”.
ومن أمثلة ذلك
إسرائيل مثلًا ، رغم ما تملكه من قوة ردع ، تعتمد في بقائها وتفوقها على الدعم الأميركي المباشر، ماليًا وسياسيًا وعسكريًا. وفي كثير من اللحظات الحاسمة، يظهر حجم تأثير واشنطن في قراراتها.
وكذلك المغرب ، فرغم ما أنجزته من استقرار اقتصادي نسبي، فإن جزءًا كبيرًا من سياساتها الإقليمية والدولية يتأثر بمواقف فرنسا وأميركا والاتحاد الأوروبي، ومؤخرًا إرتمت فى أحضان إسرائيل تابعة أمريكا وجعلت اليهودية هى الديانة الرسمية الثانية وانحرفت عن مسار العروبة ما يضعف استقلالها الكامل في الملفات السيادية وانتمائها العربى أصبح مجهول الهوية ؟؟؟؟

مصر : بين الصلابة والشرعية
وسط هذا التصنيف المعقّد، تبرز مصر كحالة خاصة، تجمع بين الاستقرار السياسي، والتماسك الأمني، وشرعية الدولة الوطنية . فهي دولة اجتازت مراحل اضطراب، ثم أعادت صياغة مشروعها السياسي، وحافظت على دورها الإقليمي المستقل، دون أن تكون تابعة، ولا منكفئة .. وتتميز قرارات قيادتها السياسية فى المواقف الإقليمية والدولية بالحكمة والإتزان والإستراتيجية
مصر ليست فقط دولة “صامدة”، بل دولة تملك رؤية ومؤسسات قادرة على التأقلم مع المتغيرات الدولية دون التفريط في سيادة القانون والقرار الوطني والإلتزام بالقيم والمبادىء الإنسانية .

في معادلة البقاء لا تنتصر العضلات وحدها

ليس السلاح ما يُبقي الدول واقفة، ولا القمع ما يحمي الأنظمة، بل الشرعية السياسية، والقدرة على إقناع الشعب بالمشروع الوطني.
الدول التي تشتبك مع شعوبها بدل أن تستند إليهم، تسقط في أول منعطف. أما الدول التي تؤمن بقدرة الإنسان على حماية وطنه، وتبني مؤسسات قوية لا أشخاصًا أقوياء، فهي التي تكتب لنفسها عمرًا طويلًا وتأثيرًا مستدامًا.

والمعادلة النهائية واضحة:
الديمقراطية لا تحمي فقط من الهزيمة… بل تمنح فرصة دائمة للنهوض من جديد.

اللواء أركان حرب / صلاح المعداوي
محافظ الدقهلية الأسبق
امين عام القاهرة وعضو الهيئة العليا لحماة وطن
كاتِب ومحلل في الشؤون العسكرية والسياسية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى