تفجير كنيسة دمشق: دماء المسيحيين في رقبة التحالف السياسي بين ترامب وبن سلمان وأردوغان

بقلم صموئيل العشاي:
في مشهد موجع يختصر تراجيديا سوريا الحديثة، دوّى انفجار مروّع داخل كنيسة بريف دمشق، أثناء قداس حضره مئات المسيحيين الأبرياء. وقع هجوم دموي طال المصليين في لحظة، وأسقط العشرات بين شهيد وجريح. لكن الكارثة لم تكن مجرد تفجير، بل عكست ما هو أعمق: سياسات دولية معقّدة انتهت بتمكين نظام متطرف يقوده أبو محمد الجولاني، بدعم من ثلاث قوى بارزة: الولايات المتحدة وتركيا والسعودية.
تحولات سياسية صنعت القاتل
بعد سقوط نظام بشار الأسد في مطلع عام 2025، تصاعد نجم أحمد الشراء، المعروف باسم “أبو محمد الجولاني”، مؤسس جبهة النصرة وقائد هيئة تحرير الشام. ما لبث أن تحوّل من قائد فصيل متطرف إلى “رئيس مؤقت لسوريا” بدعم إقليمي ودولي أثار الجدل والخوف.
لم يكن صعود الجولاني مجرد قرار داخلي ناتج عن ظروف الحرب السورية، بل جاء ضمن عملية إعادة صياغة للمشهد السوري، تمت على طاولة دولية كان أبرز لاعبيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ترامب: بوابة الشرعية الأمريكية
في مايو 2025، التقى ترامب بالجولاني في الرياض، في لقاء علني ومثير للجدل. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، وصف ترامب الجولاني بأنه “قوي، ذكي، ومقاتل يسعى لتحرير بلده”. لم يتوقف الأمر عند التصريحات، بل أعلن ترامب عن قرار رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد. و تم بالفعل إعادة ربط النظام السوري الجديد بشبكة SWIFT المالية العالمية، بما يسمح له بإجراء تحويلات مالية دولية وتلقي دعم خارجي.
كان هذا الإعلان بمنزلة بطاقة اعتماد دولية للجولاني، فتبدّلت صورته من زعيم لفرع تنظيم القاعدة إلى شريك شرعي في إعادة إعمار سوريا.
أردوغان: راعي الشمال السوري
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فكان الأكثر وضوحًا في دعمه للجولاني. استقبله في إسطنبول في أكثر من مناسبة، وأعلن صراحة دعمه لـ”الحكومة الجديدة في دمشق”. وُقعت اتفاقات تعاون أمني واقتصادي، شملت فتح خطوط لوجستية من تركيا إلى مناطق سيطرة الهيئة، وتمويل بعض مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى اتفاق غير معلن – بحسب تسريبات دبلوماسية – يتعلق بتدريب عناصر الشرطة المحلية.
تركيا التي كانت تاريخيًا الراعي الأول للمعارضة المسلحة، اختارت أن تغلّف علاقتها بالجولاني بغطاء “الواقعية السياسية”، لكنها عمليًا قدمت له ما يشبه الغطاء الأمني والاقتصادي الكامل.
محمد بن سلمان: المُمكّن المالي والسياسي
لعب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دورًا محوريًا في تأمين الجولاني إقليميًا. فبحسب وثائق مسرّبة من الديوان الملكي، فقد رعى شخصيًا اللقاء الذي جمع ترامب بالجولاني، وضغط على شركاء خليجيين لتقديم دعم مالي للحكومة السورية الجديدة، بل وتعهدت الرياض بتسوية جزء من ديون سوريا الخارجية لصالح صندوق النقد الدولي، كخطوة رمزية تؤكد “جدية التحول”.
ووُصف هذا الدور بأنه الأكبر من نوعه منذ تدخل السعودية في الملف السوري مطلع الثورة، حيث انتقلت الرياض من دعم معارضين متنوعين إلى دعم رجل واحد، كان حتى وقت قريب على لوائح الإرهاب العالمية.
انفجار الكنيسة… تتويج لحالة الانفلات
منذ أن تولت “هيئة تحرير الشام” الحكم الفعلي في مناطق من سوريا، بدأت حملة قمع طائفي واضحة ضد الأقليات، خصوصًا المسيحيين والعلويين والدروز. تفجير كنيسة “مار إلياس” أثناء قداس الأحد لم يكن سوى تتويج مأساوي لهذا الواقع الجديد.
وجاءت شهادات سكان المنطقة بأن منفذ العملية عضوا مقاتلًا في جماعة “لواء أنصار السنة”، وهو فصيل متشدد تحوّل إلى جناح داخل الهيئة، وأن الأجهزة الأمنية تغاضت عن تحركاته رغم تحذيرات سابقة من الكنيسة.
الأكثر استفزازًا أن الحكومة الجديدة لم تُرسل أي وفد رسمي إلى موقع الجريمة، مما دفع بطريرك الروم الأرثوذكس في سوريا إلى التصريح أثناء الجنازة قائلًا: “نحن نأسف لأن أحدًا من الدولة لم يأتِ. الشعب جائع، يقرع أبواب الكنائس من أجل ربطة خبز. المكالمة الهاتفية لا تكفي”.
مسؤولية لا تنكرها الوقائع
ورغم أن أيًا من ترامب أو أردوغان أو بن سلمان لم يتبنَّ رسميًا دعمًا مباشرًا للتفجير أو أي نشاط طائفي، فإن البيئة التي ساهموا في خلقها حول الجولاني جعلت من هذه الجريمة نتيجة حتمية.
الشرعية الدولية، المال السياسي، والدعم الإقليمي، شكلوا مزيجًا مثاليًا لصعود نظام متطرف دون ضغوط حقيقية، فتمددت يده الأمنية، وسقطت الدماء دون حساب.
توصيات ومطالبة بالمساءلة
إنطلاقًا من فداحة الجريمة، وتكرار نماذج العنف ضد الأقليات، تبرز دعوات متزايدة لفتح تحقيق دولي مستقل يربط بين سياسات تمكين جماعات مسلحة والعنف الطائفي الناتج عنها. كما يُطالب ناشطون بضرورة فرض رقابة مشددة على تحركات الهيئة ومحاسبة منفذي التفجير عبر محاكم دولية. ولا يقل أهمية عن ذلك ضرورة مراقبة تدفق الأموال والدعم السياسي من الخارج إلى الجهات التي تملك سجلًا في التحريض الطائفي.
ان تفجير كنيسة دمشق لم يكن حدثًا عرضيًا، بل تتويجًا لمسار طويل من التمكين السياسي والدبلوماسي الذي غلّف جماعة متطرفة بغطاء شرعي. ثلاثة زعماء – ترامب، أردوغان، وبن سلمان – لم يطلقوا الرصاص، لكنهم سحبوا يد القانون من على الزناد.
إن دماء المسيحيين السوريين لا تسيل فقط من فوهات البنادق، بل تسيل أيضًا من بيانات التهنئة السياسية، وصفقات الدعم، وغرف الاجتماعات المغلقة. هؤلاء الضحايا ليسوا مجرد أرقام، بل عنوان واضح لخطأ سياسي فادح: أن تتحالف الدول مع التطرف… وتُغمض أعينها عن العواقب.