صموئيل العشاي يكتب: هل نلعن حماس هذه المرة؟ … لا طبعًا!

في زحام الأصوات المرتفعة، وفي خضم الهجوم الكثيف على حركة “حماس”، أصبحت الحركة متهمة بكل موبقة، محمّلة بكل خطايا الواقع الفلسطيني، وكأنها وحدها من عبث بتاريخ القضية، وأفشل كل فرص السلام، وعرقل كل حل ممكن.

لكن هل هذا هو الواقع فعلًا؟ أم أن هناك حقائق غائبة لا يراها صغار السياسة وحديثو العهد بفهم المعادلات الكبرى في المنطقة؟

ما لا يعرفه كثيرون، أن حركة “حماس” – هذه المرة – سلكت طريقًا مغايرًا، ووافقت بكامل إرادتها على خطة مصرية متكاملة لإنقاذ قطاع غزة من طاحونة الدم التي يديرها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نيتنياهو.

لقد قبلت الحركة، في موقف يُحسب لها، تشكيل هيئة مدنية لإدارة القطاع، مكوّنة من شخصيات فلسطينية لا تنتمي إليها، وأعلنت استعدادها للانسحاب الكامل من المشهد السياسي، تاركة إدارة غزة لأبناء الوطن، بعيدًا عن فصائلية السلطة.

بل إن قادة الحركة أبدوا مرونة غير مسبوقة، وواقعية وطنية نادرة، فوافقوا على الشروط المصرية – التي دعمتها الولايات المتحدة أيضًا – وكان من بنودها انسحاب قوات الاحتلال من القطاع، وبدء مسار حقيقي يعيد الهدوء إلى المنطقة.

وقد شهد العالم لحظة نادرة بدأت فيها الخطة تُنفذ، وكأن شعاع نور أخير يشق طريقه في نفق مظلم طويل.

لكن، وكالعادة، اعترض طريق السلام جنون نيتنياهو.
الرجل الذي تلاحقه ملفات الفساد وتطارده المحاكم، ويطوقه هاجس السجن، قرر أن يُفشل كل شيء، فضرب بالاتفاقات عرض الحائط، وعاد ليشعل غزة نارًا من جديد، لا لشيء إلا ليهرب من المحاكمة، وليكسب بقاءً سياسيًا ملوثًا بدماء الأبرياء.

نعم، قد نختلف مع “حماس”، وقد ننتقدها حين تخطئ، لكن الأمانة تقتضي أن نعترف بأن هذه المرة لم تكن الحركة هي المخطئة.
بل كانت تسير بخطى متزنة، وبالتنسيق الكامل مع مصر، تحاول إنقاذ غزة من جحيم آلة الحرب، وتتنازل طوعًا عن السلطة لصالح مخرج وطني مشرّف.
ولكن نيتنياهو، في غطرسته، أفسد كل شيء.

وما هو أشد ألمًا من نيران نيتنياهو، هو الموقف الباهت لبعض العواصم العربية، التي وقفت تتفرج، أو باعت موقفها من أجل تكنولوجيا واتفاقات تطبيع لا تحمل من السلام سوى اسمه.
في لحظة كانت تتطلب الشرف والمبدأ، سقط البعض في اختبار الكرامة.

عذرًا لأصدقائي المعارضين لحماس:
أنا لا أطلب منكم أن تحبوها، ولا أن تباركوها، لكني أطالبكم بالإنصاف.
طالما أنها تسير هذه المرة جنبًا إلى جنب مع مصر، وتحاول انتشال غزة من مستنقع الدم، وتقبل بالخروج من السلطة، فعلينا أن نقول كلمة حق، حتى وإن خالفت أهواءنا.

أما نيتنياهو، المختبئ خلف أسوار تل أبيب، فعليه أن يدرك أن لكل شيء نهاية.
لا سلام يُفرض بالقوة، ولا مجازر تُنسى بمرور الزمن.
وقد يأتي اليوم الذي تجتمع فيه الكلمة العربية، وتُرد الصفعة صفعتين.

أيها الإسرائيلي المتغطرس، أيها الوجه الأسوأ في حاضر السياسة… قبل أن تُهاجم، عليك أن تذكر من يرعى الجماعات التي تهدد منطقتنا، وتزرع فيها الفتنة والسلاح.

أنت تعرفهم جيدًا، لكنك تخاف… تخشى الاقتراب من الحقيقة، فتكتفي بمهاجمة الحلقات الأضعف، بينما تصمت أمام من يعبث بأمن المنطقة من خلف الستار.

واعلم أن من يريد السلام لا يقصف، ومن يريد الهدوء لا يذبح.
ومن يسعى لإنقاذ وطنه… لا يختبئ خلف دخان الحرب ليهرب من عدالة الشعب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى