صموئيل العشاي يكتب: شباب اليسار مرضي بالمازوخية السياسية

في الوقت الذي تكشّفت فيه الجرائم الفادحة التي ارتكبتها حركة حماس بحق الدولة المصرية ومواطنيها، يصرّ بعض شباب اليسار المصري على مواقف صادمة، تثير الدهشة وتدفعنا للتساؤل: كيف يمكن لمن تربّى على قيم الانتماء، والعدالة، والدفاع عن الإنسان، أن يبرر الخيانة، ويجمّل الإرهاب، ويتغاضى عن دماء المصريين؟
إننا لا نتحدث عن التيار اليساري كله، ولا عن رموزه العاقلة التي تشرّبنا منها الوطنية والتفكير الحر، بل نتحدث عن شريحة من شبابه، ممن انجرفوا وراء خطاب حماسي فارغ، فاقد للبوصلة الأخلاقية والوطنية.
فالحقيقة التي لا ينبغي نكرانها أن اليسار هو أحد أعمدة الفكر المصري الحديث، وأساتذته الكبار علّمونا كيف نفكر، لا كيف نهتف. هم من غرسوا فينا قيمة الوطن، وعلّمونا أن الانحياز للفقراء لا يتناقض مع الانحياز للدولة، وأن الحرية لا تُستخدم غطاءً لتبرير الإرهاب.
ولكن المؤلم أن نرى اليوم بعض التلاميذ وقد انقلبوا على هذه المبادئ، واختاروا أن يكونوا جوقة خلف حركة حماس، التي تآمرت على مصر، واغتالت جنودها، وحاصرت سفاراتها، وراكمت جرائمها على حدودنا وأراضينا.
منذ عام 2011 وحتى اليوم، سجل حماس واضح في العداء لمصر: من تهريب السلاح، إلى دعم الجماعات الإرهابية في سيناء، إلى عمليات قتل وتفجير وتخريب طالت القضاة والجنود وحتى الكنائس. ومع ذلك، يخرج بعض شباب اليسار ليدافع عنها، ويُحاضر فينا عن “المقاومة” وكأننا لم نر الدم ولم نسمع التفجيرات.
هل فقد هؤلاء الوعي؟ أم أنهم يعانون مما يشبه المازوخية السياسية؟ التلذذ بالخضوع لجلاد يكره وطنهم، التبرير لمليشيا تنفذ أجندة إيران وتدّعي أنها تحارب من أجل فلسطين، بينما تعلن صراحة أن حرب 7 أكتوبر كانت انتقامًا لدم قاسم سليماني، كما قالها الحرس الثوري بوضوح.
حماس لم تعد حركة تحرر، بل صارت أداة إيرانية رخيصة تُشعل الحروب نيابة عن الملالي. أكثر من مائة ألف فلسطيني سقطوا، ونصف مليون جريح، ثمنًا لصراع لا يخدم إلا طهران.
وفي المقابل، يقف بعض شباب اليسار مندهشًا من موقف مصر، ويُهاجم الدولة لأنها لا تدعم “المقاومة”، رغم أن هذه “المقاومة” باتت تطعن مصر بوضوح.
وهنا، لا بد من التذكير بأن علماء السياسة والاجتماع داخل التيار اليساري مدعوون لتحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والفكرية. فهؤلاء الشباب تائهون بين الشعارات والخطابات الثورية، ويحتاجون لمن يوقظ وعيهم، ويردّهم إلى المبادئ الأولى: أن الوطن ليس سلعة، وأن الخيانة لا تُغلف بشعارات التحرر.
نعم، نحترم أساتذة اليسار، ونُدين لهم بالكثير من التكوين الفكري والإنساني. ولكننا نتعجّب من هذا الانفصال بين الجيل المؤسس والجيل المندفع. كيف يمكن أن يبرر شاب يساري اليوم مَن يهاجم مصر؟ كيف يسكت عن تواطؤ حماس مع خصوم الدولة، وجرائمها بحق المصريين، بل ويراها “صديقة”؟
اليسار الذي علّمنا أن ننتقد السلطة لا أن نخون الوطن، بات بعض شبابه اليوم يخلط بين العداء للحكومة، والعداء لمصر.
اليسار الذي زرع فينا قيمة الكرامة، بات بعض أبنائه يبررون للمليشيات التي تدوس سيادة بلدهم.
اليسار الذي أنجب المثقفين الكبار، بات بعض شبابه اليوم ضحية لـ”هاشتاج” و”بوست” و”خطاب عاطفي”، يروّج له من خارج الحدود.
والمطلوب اليوم ليس إقصاء هؤلاء، بل تثبيت أقدامهم على الأرض مجددًا، وإعادة صياغة وعيهم الوطني على يد الأساتذة الحقيقيين داخل التيار اليساري، ممن لم يبعوا العقل لمواقع التواصل، ولا غلّفوا خيانتهم بشعارات المقاومة المستوردة.
المازوخي – كما يقول علم النفس – كلما ضُرب، زاد تعلقه بجلاده.
لكن الوطن لا يحتمل هذا المرض،والوطنية لا تُباع في سوق العواطف،والكرامة لا تتجزأ:
إما أن تكون ضد القاتل… أو شريكًا له في الجريمة.