الدكتور جمال شعبان : محافظ شمال سيناء لا يهدد … لكنه يضع النقاط فوق الحروف

لا أحب لغة التهديد، ولا أحبذ أن يُستخدم صدى الصوت بديلًا عن العقل. لكنني أؤمن تمامًا أن هناك لحظات في عمر الأوطان، تحتاج فيها الكلمة أن تكون كالسيف… واضحة، قاطعة، لا تحتمل التأويل.
وحين يتحدث اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، فإنك لا تسمع تهديدًا، بل تسمع دوي الحقيقة حين تصطدم بجدران الزيف. لا يلوّح الرجل بوعيد، بل يضع النقاط فوق الحروف في منطقة اعتادت لعقود أن تُكتب كلماتها بالحبر السري وتُقرأ في الظل.
اللواء مجاور ليس غريبًا عن سيناء، ولا عن معاركها الطويلة مع الإرهاب، ولا عن أهلها الذين يدفعون ثمن الصبر والبطولة والخذلان في آنٍ واحد. هو أحد أبناء المعركة… ممن لم يأتوا ببدلة محافظ جاهزة، بل جاء بسجلاتٍ من الأرض، من الميدان، من الرمال الساخنة التي خبر حرارتها جيدًا.
نحن أمة لا تحب الحرب، ولا تسعى للصدام، ولسنا من هواة الطبول أو صيحات العنتريات، لكننا – إن فُرضت علينا المواجهة – تحولنا إلى ليوث الشرى، حماة الحمى، وصناديد يعرفهم التاريخ جيدًا.
واسألوا التاريخ عن عين جالوت، عن حطين، عن السويس، عن القناة… عن الإمبراطورية التي قيل إنها لا تغيب عنها الشمس، ثم غربت شمسها أمام عزيمة المصريين على ضفاف القناة.
اليوم، ونحن نواجه تتارًا من نوع جديد، تتارًا يأتون في ثياب المنظمات الإنسانية، ويعبثون بالجغرافيا باسم الحقوق، ويحفرون الخنادق تحت عناوين الحرية، علينا أن نتذكر دائمًا:
أن الهكسوس لم يُهزموا بالسيف فقط، بل بدروس التاريخ، وأن هولاكو لم يُطرد من الشرق إلا حين استيقظت ذاكرة الأمة.
أما الذين يريدون اليوم أن يعيدوا رسم خريطة سيناء، أو يعبثوا بجغرافيتها السكانية والسياسية، فليعلموا أن أصحاب الجغرافيا لا يُزاحون، وأصحاب التاريخ لا يُستبدلون.
وفي هذه اللحظة الحرجة، يظهر معدن الرجال. ويظهر معنى أن يكون في موقع المسؤولية محافظ يعرف الأرض وأهلها، لا يُراوغ ولا يتلون، بل يتكلم حين يسكت الآخرون، ويصمت حين تعوي الضباع.
اللواء خالد مجاور لا يحتاج لمن يجمّله، فهو ابن معركة، وجندي من جنود الدولة في زمن الالتباس، وكلماته لم تكن سوى بلاغ رسمي من قلب سيناء… أن مصر موجودة، وستبقى، وأن كل محاولات الزحف خلف الأوهام ستُدفن في ذات الثرى الذي دفن الهكسوس والتتار والخونة.
عاشت مصر قلعة الصمود الأخيرة، وحصنها المنيع، حتى لو هرول المهرولون، وخذلها الأقربون