صموئيل العشاي يكتب: ردًّا على د. حسام بدراوي.. مصر على أعتاب الجمهورية الجديدة لا على حافة الانتحار

الدكتور حسام بدراوي سياسي معروف، وتجربته في قلب الحياة الحزبية والبرلمانية تجعله من الأصوات التي تحرص على النصح من باب “الخوف على الوطن”. لكن، ما كتبه مؤخرًا تحت عنوان “حين يكرر النظام أخطاءه… انتحار سياسي وذاكرة لا تتعلم”، يحتاج إلى وقفة جادة.
ليس من أجل الدفاع عن السلطة فحسب، بل من أجل الدفاع عن مشروع الدولة المصرية الحديثة الذي يتعرض للتقليل، رغم أنه المشروع الأوسع والأكثر شمولًا منذ عقود.
أولًا: الانتخابات والشرعية
وصف بدراوي الانتخابات بأنها “مسرحية هزلية”، وهو توصيف مجحف يتجاهل الواقع. فمصر، بعد 2013، خاضت تجربة إعادة بناء المؤسسات من نقطة الصفر تقريبًا في ظل مواجهة مفتوحة مع الإرهاب، وهو ظرف لا يمكن مقارنته بانتخابات تُجرى في دول مستقرة منذ قرن كامل.
أما حديثه عن الشرعية والتمثيل، فالأجدر أن يراجع تجربة الحزب الوطني الذي كان آخر رئيس له؛ إذ لم ينجح الأقباط في أي من انتخاباته إلا عبر مقاعد التعيين، وكذلك المرأة ومعها باقي الفئات التي كان تمثيلها محصورًا في قرارات تعيين لا أكثر. وفي المقابل، تبدو المجالس البرلمانية بعد 2013 أكثر تنوعًا وتمثيلًا لمكونات المجتمع المصري من حزبكم الوطني المنحل.
المعارضة ليست غائبة، لكنها مشتتة، وبعضها يرفض أن يدخل اللعبة الديمقراطية مكتفيًا بالصراخ من الهامش. وهنا تبقى المسؤولية مزدوجة: على الدولة أن توسّع المساحة، وعلى القوى السياسية أن تتحمل مسؤولية تكوين بدائل حقيقية بدل الاكتفاء بالرفض والشجب
ثانيًا: الإعلام وصوت النقد
يتحدث بدراوي عن “كتم الأفواه”، مستشهدًا بأسماء إعلاميين كبار. لكن، هل تُقاس الصراحة بالأسماء أم بالمحتوى؟
الواقع أن الإعلام المصري لم يعد نسخة واحدة، بل صار متعدد المنابر والمنصات، والفضاء الرقمي مفتوح على مدار الساعة لمن يريد النقد والمعارضة. بل إن من يتابع المشهد يلحظ وجود أكثر من عشر محطات متخصصة في الهجوم اليومي على مصر ورئيسها وثورتها وتجربتها السياسية، بعضها يبث من الخارج وبعضها يتحرك بأجندات معروفة.
الفارق أن الدولة لم تعد تسمح بتحويل النقد إلى فوضى منظمة أو منصات تخدم مشاريع خارجية. الحرية لا تعني غياب المسؤولية، ومصر تعلمت من دروس الفوضى أن الإعلام قد يكون أداة بناء أو أداة هدم، والواجب أن يظل في خدمة الحقيقة لا في خدمة الحملات المدفوعة
ثالثًا: الدستور والاستقرار
يحذّر بدراوي من أي تعديل دستوري محتمل باعتباره “استنساخًا” لتجارب الماضي. لكن الحقيقة أن الدستور ليس مواد ونصوصًا مقدسة، بل هو عمل بشري يخضع للتجربة والمراجعة، مثل كل عمل إنساني قابل للتطوير والتصويب.
التجارب العالمية أثبتت أن ثبات النصوص لا يعني ثبات الأوطان، بل إن الجمود قد يكون عائقًا أمام التقدم. الدستور في جوهره أداة لتنظيم السلطة وضمان التوازن بين مؤسساتها، لا كتابًا سماويًا منزّلًا لا يمس. ولذلك نجد أن معظم الدول العريقة غيّرت أو عدّلت دساتيرها مرات عدة وفقًا لتطور المجتمعات والظروف السياسية.
السؤال الحقيقي: هل المطلوب أن نتجمّد عند نصوص وُضعت في لحظة زمنية محددة، أم أن نمنح أنفسنا حق النقاش والتطوير المستمر بما يحقق الاستقرار والقدرة على مواجهة التحديات الجديدة
رابعًا: الاقتصاد والدَّين الخارجي
يتحدث بدراوي عن “دين ينخر الجسد”، متجاهلًا أن مصر لم تكن يومًا دولة ساكنة تستهلك ولا تنتج. نعم، لدينا ديون، لكن هذه الديون لم تُهدر في فراغ، بل تحولت إلى آلاف المشروعات التي غيرت وجه البلاد: من شبكة طرق وكباري صارت الأعظم في تاريخ مصر، إلى مئات الإنجازات في البنية التحتية، ومحطات الكهرباء، وتحلية المياه، واستصلاح الأراضي، والمدن الجديدة، والعاصمة الإدارية.
الفرق واضح: هناك ديون تذهب إلى سد عجز الرواتب والدعم الاستهلاكي في الماضي، وهناك ديون تُستثمر لتبني أصولًا وتفتح فرصًا وتخلق اقتصادًا قادرًا على الاستمرار. مصر اختارت الطريق الثاني.
وللتاريخ، نحن لم نتخلّف يومًا عن سداد التزاماتنا، بل استمرت الدولة في مشروعات تنموية غير مسبوقة بينما العالم كله – من أمريكا إلى أوروبا – يئن تحت وطأة أزمة الديون. مصر لا تنتحر اقتصاديًا كما يروّج البعض، بل تخوض معركة بناء صعبة، نتائجها تُرى بالعين لا بالشعارات.
خامسًا: الدين والسياسة
يتحدث بدراوي عن “عودة الدين إلى حضن السلطة”، متناسيًا أن تجربته السياسية في الحزب الوطني هي التي فتحت الباب أصلًا أمام الإخوان، حين منحتم لهم ٨٨ مقعدًا في انتخابات 2005، ولولا التزوير يومها لكان عددهم قد تجاوز 150 مقعدًا على الأقل. أنتم مَن صنعتم الوحش، ثم تركتم الشعب يواجه الكارثة وحده.
والأكثر مفارقة أن الحزب الوطني لم يخض معركته الحقيقية ضد مشروع الإخوان، بل خاض حروبًا جانبية ضد وزير الثقافة فاروق حسني بسبب لوحة أو رواية، بينما كان الإخوان يمدّون نفوذهم داخل الجامعات والنقابات والبرلمان.
اليوم، وبعد أن دفعت مصر ثمنًا باهظًا تحت حكم الجماعة، كان طبيعيًا أن تُعاد صياغة العلاقة بين الدولة ومؤسساتها الدينية بما يحفظ الأمن القومي ويمنع تديين السياسة وتسييس الدين. ما يراه بدراوي “توظيفًا سياسيًا”، هو في الحقيقة تصحيح لمسار خطير كان يمكن أن يبتلع الوطن كله.
سادسًا: المقارنة مع 2011
حين يحاول الكاتب استدعاء تجربة 2011 للإيحاء بأن التاريخ يعيد نفسه، يتجاهل حقيقة بسيطة: نظام الرئيس مبارك لم يسقط لأنه كان قويًا أو متماسكًا، بل سقط بسببكم أنتم، وبسبب صراعاتكم الداخلية بين الحرس القديم والحرس الجديد، حتى تآكلت شرعية النظام من الداخل قبل أن يثور الشارع من الخارج.
الفرق اليوم أن الدولة ليست أسيرة مراكز قوى متصارعة، بل متماسكة برؤية واضحة، مؤسساتها الأمنية على قلب رجل واحد، وقيادتها تحاول أن توازن بين الإصلاح والتنمية وسط أزمات عالمية خانقة. ما حدث في 2011 كان ثمرة طبيعية لانقساماتكم أنتم، لا قدَر محتوم على مصر.
التاريخ لا يكرر نفسه إلا إذا أصررنا أن نقرأ الحاضر بعيون الماضي، ونغض الطرف عن الحقائق الجديدة على الأرض.
رسالة إلى الدكتور حسام بدراوي
دكتور حسام،
قد نختلف معك في بعض التوصيفات، لكننا لا نقلّل من تقديرنا لحرصك على مصلحة مصر. فالخلاف بيننا ليس في الغاية، فالجميع يسعى إلى حماية هذا الوطن، وإنما في زاوية النظر وقراءة الواقع.
مصر اليوم ليست على حافة “انتحار سياسي” كما وصفت، بل على أعتاب جمهورية جديدة تُبنى بعرق وجهد وتضحيات. نعم، الطريق مليء بالصعاب والتحديات، لكن الاستمرار في التشكيك لا يصنع الثقة ولا يفتح بابًا للحلول، بل قد يضاعف من الإحباط.
المطلوب الآن أن نقرأ الحقائق كما هي: دولة تخوض معاركها في الاقتصاد والتنمية والسياسة والأمن بوعي، وتجتهد رغم كل الضغوط العالمية والإقليمية. والنقد – إذا جاء منصفًا – يمكن أن يكون معينًا على التصويب، لا وقودًا للتيئيس
رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي
سيادة الرئيس،
إنك تقود مصر في أصعب لحظة مرّت على العالم المعاصر: إرهاب يتربص، وأزمات اقتصادية عالمية تعصف بالدول، وضغوط خارجية لا تنتهي. وبرغم ذلك، لم تنكسر مصر، بل اختارت أن تبني لا أن تهدم، أن تنهض لا أن تنكفئ، أن تُطلق المشروعات وتُشيد المستقبل بدل أن تُسلّم للفراغ أو الفوضى.
ندرك حجم التحديات، وندرك أن النقد قد يشتد ويقسُو، لكنك أثبت دائمًا أن القيادة الحقيقية تُقاس بالقدرة على الصمود أمام العواصف، لا بالانحناء لها. وأن من يواجه التحديات وجهًا لوجه أعظم شأنًا من أولئك الذين يكتفون بالكلام من بعيد.
إن ملايين المصريين الذين يرون بأعينهم الإنجاز في الطرق والمدن الجديدة، في الأمن والاستقرار، في استعادة دور مصر إقليميًا ودوليًا، يثقون أنك قادر على استكمال المسيرة حتى النهاية. إن التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يُكتب من جديد، وما يُسطر عن هذه المرحلة لن يكون “تكرارًا” لما مضى، بل تأسيسًا لجمهورية قوية راسخة.
فامضِ على طريقك، ووسّع هامش المشاركة، وامنح مساحة لكل رأي صادق، لكن لا تسمح لليائسين أن يختزلوا صورة مصر في مشهد مظلم.
سيادة الرئيس،
مصر معك. والناس يعرفون أن البناء أصعب من الهدم، وأن من يخطئ وهو يحاول خير ألف مرة ممن يتوقف وييأس. استمر، فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، لكنه يخلّد من آمن بقدرة شعبه على النهوض، وواجه العاصفة ليُسلم الوطن إلى بر الأمان.
مقالة قوية ومنصفة أستاذ صموئيل العشاي
فعلاً وضعت النقاط على الحروف معالي الريس من المهم أن نرى الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع وأن ندرك أن النقد لمجرد النقد لن يساهم في حل المشكلات
التنمية والبناء أصعب بكثير من التشكيك والإحباط مصر تسير في طريق صحيح وإن كان صعبًا وهذا ما يجب أن نلتفت إليه