بقلم فوزي عبد المسيح:
الوفاء.. تلك القيمة النبيلة التي كانت يومًا ما أساس العلاقات، باتت اليوم عملة نادرة في زمن تحكمه المصالح. أين ذهب الوفاء؟ ولماذا أصبح مجرد شعار يرفعه الناس دون أن يطبقوه؟
في الماضي، كان الوفاء ركيزة الحب، والصداقة، والزواج، وحتى العمل. كان الرجل يفي بوعده، والصديق يبقى سندًا لصديقه، والزوجان يتشاركان الحياة بإخلاص لا يتزعزع. أما اليوم، فأصبحنا نرى العلاقات تنهار عند أول اختبار، والمودة تتحول إلى خيانة، والصداقة تُباع وتُشترى كأنها سلعة رخيصة.
أين ذهب الوفاء؟
بحثت عنه بين البشر، فلم أجد له أثرًا. رأيت الأزواج يخونون، والأصدقاء يغدرون، والأبناء يتخلون عن والديهم في لحظات ضعفهم. رأيت علاقات كانت قوية تنهار أمام إغراءات الدنيا، ومبادئ كانت ثابتة تتهاوى أمام بريق المصالح.
وحينما لم أجد للوفاء مكانًا بين الناس، لجأت إلى الله.. فهو وحده من يظل وفيًّا لعباده رغم كل تقصيرهم. هل نحن أوفياء مع الله كما هو معنا؟ هل نحفظ وصاياه ونفي بعهدنا معه؟ أم أننا نطلب الوفاء من الآخرين ولا نقدمه حتى لخالقنا؟
لكن المفارقة المؤلمة أنني وجدت الوفاء في مخلوق آخر، وجدته عند الكلاب!
نعم، ذلك الحيوان البسيط الذي يضرب أروع الأمثلة في الإخلاص. رأيت كلبًا يتبع صاحبه حتى القبر، يجلس عنده أيامًا دون طعام أو ماء، وكأنه يرفض تصديق الفراق، حتى مات بجواره وفاءً له! أي إخلاص هذا الذي أصبح يفوق وفاء البشر؟
كيف وصل بنا الحال إلى أن نتعلم الوفاء من الكلاب؟
هل أصبحنا بحاجة إلى أن ننظر إلى عالم الحيوان لنتذكر المعاني التي فقدناها في عالم البشر؟ أم أننا بحاجة للعودة إلى الله لنعيد بناء قيمنا التي تهدمت؟
في زمن ضاع فيه الوفاء، لم يعد السؤال: هل هناك أوفياء؟ بل أصبح: هل سنتعلم الوفاء من الله؟ أم أن علينا أن نتعلمه من الكلاب؟