بقلم – صموئيل العشاي:
يذكرني ما يجري من بعض الأطراف في انتخابات نقابة الصحفيين بأحداث فيلم خالتي فرنسا، حيث تسود حالة من الفوضى الغريبة التي اختار صانعوها أن تتجلى خلال فترة الانتخابات، في مشهد يثير تساؤلات جوهرية حول المسار الذي تسلكه المهنة ومستقبلها. لم تعد هذه الانتخابات ساحة للتنافس على أساس البرامج والرؤى الإصلاحية، بل تحولت إلى معركة على المصالح والمناصب، في وقت تراجع فيه الحديث عن المهنية وأخلاقيات الصحافة إلى مرتبة ثانوية.
الانتخابات النقابية، في جوهرها، ليست سوى وسيلة لاختيار من يمثل الصحفيين ويدافع عن حقوقهم ويعمل على تحسين أوضاعهم. لكنها، للأسف، باتت في السنوات الأخيرة أقرب إلى “بازار” سياسي ومهني، حيث تُستغل مناصب النقابة كجسر للوصول إلى مواقع قيادية في الصحف، سواء كرؤساء تحرير ك. هذه الظاهرة لم تُضعف النقابة فقط، بل حولت بوصلة الجماعة الصحفية عن مسارها الطبيعي، فلم يعد البحث عن المهنية هو الهدف الأول، بل أصبح السعي لتحقيق المصالح الشخصية والامتيازات هو الغالب على المشهد الانتخابي.
نقابة الصحفيين لم تكن يومًا مجرد كيان إداري يتولى تسيير شؤون الصحفيين، بل كانت دائمًا مركزًا للحركة الوطنية وقلعة للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير. عبر تاريخها، كانت النقابة تقف في صف الوطن ضد المؤامرات والدسائس الأجنبية، لكن ما نراه اليوم يشير إلى تبدل الأولويات، حيث تراجعت القيم النقابية والمهنية أمام إغراءات المناصب والمكاسب الفردية. تحول النقابة إلى مجرد سلم للترقي الوظيفي أفقدها الكثير من هيبتها، وجعلها تبدو عاجزة عن التصدي للأزمات التي تواجه الصحفيين، سواء على مستوى الأوضاع الاقتصادية أو على مستوى الحقوق والحريات.
في ظل هذه الأجواء، نجد أن المعركة الانتخابية تدور حول أشخاص لا حول مشروعات، وحول المصالح وليس المبادئ. لا أحد يتحدث عن وضع الصحفيين المتأزم، ولا عن المرتبات المتدهورة، أو غياب التأمينات الاجتماعية والصحية الكافية، ولا عن المؤسسات الصحفية التي تحتضر، ولا عن المخاطر التي تهدد الصحافة المطبوعة في عصر الرقمنة. بدلاً من ذلك، نجد تحالفات وحسابات تتركز على كيفية تحقيق المكاسب الشخصية، لا على ما يمكن تقديمه للمهنة والصحفيين الذين يعانون من مشكلات لا حصر لها.
الأزمة التي تعيشها نقابة الصحفيين اليوم ليست سوى انعكاس للأزمة الأعمق التي تواجهها المهنة ككل، أزمة تتجلى في تضاؤل مساحتها الحيوية، وتراجع دورها الرقابي، وضعف تأثيرها في الرأي العام، وتنامي أشكال الصحافة غير التقليدية التي باتت تنافس الإعلام التقليدي في الصدقية والجاذبية. وسط هذا المشهد، تتعمق المخاوف حول مستقبل الصحافة، وما إذا كانت النقابة قادرة على استعادة دورها في حماية المهنة والدفاع عن حقوق الصحفيين، أم أنها ستظل مجرد محطة في طريق الباحثين عن المناصب والمكاسب الخاصة؟
الأمل في التغيير لن يتحقق إلا إذا أدرك الصحفيون أنفسهم أن نقابتهم ليست مجرد وسيلة لتحقيق المصالح، بل هي الضامن لحقوقهم وحصنهم الأخير في مواجهة التحديات المتزايدة. يجب أن تعود النقابة إلى مسارها الصحيح، حيث يكون العمل النقابي مرادفًا لحماية الصحفيين وتطوير المهنة، لا أداةً لتحقيق مصالح شخصية ضيقة. استعادة النقابة لدورها التاريخي مسؤولية الجميع، وهي معركة لا تحتمل المزيد من المراوغة أو التخاذل.