صموئيل العشاي يكتب: هؤلاء أساتذتنا

في الأيام الماضية شهدت الهيئة الوطنية للصحافة جلسات مهمة لمناقشة سبل تطوير المحتوى الإعلامي، بمشاركة عدد من كبار الصحفيين وأساتذة المهنة الذين يحملون على عاتقهم خبرة عقود طويلة من العمل في بلاط صاحبة الجلالة. هؤلاء لم يأتوا إلى القاعة لمجرد الحديث، بل ليضعوا خلاصة تجاربهم ورؤيتهم من أجل مستقبل الصحافة القومية في عصر تتغير فيه قواعد اللعبة بسرعة مذهلة.

ومع ذلك، فوجئنا ببعض الأصوات التي آثرت السخرية والتريقة على نقاشاتهم، وكأننا أمام سباق على “التريند” لا أمام مهنة لها تاريخها ورسالتها. مثل هذا السلوك لا يليق بزملاء يفترض أنهم أبناء المهنة نفسها، ولا يليق أن تكون لغة النقد بينهم قائمة على الاستهزاء أو التقليل من قيمة من سبقوهم.

الصحافة ليست مجرد وظيفة، بل هي رسالة وطنية وثقافية عميقة. ومن واجبنا أن نُظهر تقديرًا لمن ساهموا في تأسيسها وصياغة تقاليدها، حتى وإن اختلفنا معهم في الرأي أو الأسلوب. فالخلاف لا يعني التجريح، والنقد لا يعني الإهانة. على العكس، النقد البنّاء هو الذي يضيف قيمة ويُفتح به باب التطوير.

لقد قدّم أساتذتنا في النقاش الأخير رؤى مهمة تستحق الاحترام، منها الدعوة إلى تحديث البنية التحتية للمؤسسات القومية، والتمسك بالصحافة الورقية إلى جانب الرقمنة، وتعزيز حرية الرأي مع المسؤولية المهنية، وكذلك البحث عن حلول جماعية للتحديات الاقتصادية التي تواجه الصحافة. هذه ليست أفكارًا قديمة أو كلامًا إنشائيًا، بل أساسيات لإصلاح حقيقي.

إن خطورة السخرية تكمن في أنها تحوّل النقاش من مساحة حوار إلى معركة عبثية، وتشيع بين الأجيال الشابة ثقافة الاستهانة بمن سبقوهم، بدلًا من أن يتعلموا كيف يختلفون بأدب ويحاورون بوعي. والنتيجة أن نخسر جزءًا من احترامنا لأنفسنا قبل أن نخسر احترام الآخرين.

فلنحافظ إذن على قيمة الكلمة، ولنرتقِ بأسلوبنا. نختلف كما نشاء، نناقش بشجاعة، لكن بلا تريقة ولا ازدراء. فالصحافة لا تنهض بالضحك على من بنوها، بل بالعمل معًا لنكمل ما بدأوه ونمهد للأجيال القادمة أرضًا أكثر صلابة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى