صموئيل العشاي يجب علي سؤال: كيف نفهم لقاء رئيسي المخابرات المصري والتركي؟

اللقاء الذي جمع بين رئيس المخابرات العامة المصرية الوزير حسن رشاد ونظيره التركي اللواء إبراهيم قالن، لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي عابر، بل إشارة قوية على أن لعبة التوازنات في الشرق الأوسط تدخل مرحلة جديدة. لقاء من هذا الوزن لا يُقرأ فقط في إطار غزة أو ملف الإرهاب، بل في عمق معادلة الأمن القومي للمنطقة بأسرها.

اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات الأسبق وخبير الأمن القومي، أكد أن اللقاء يأتي في سياق مقاومة الإرهاب واستئصاله من المنطقة. تركيا – كما قال – لاعب محوري لا يمكن تجاهله، فهي تمسك بخيوط حساسة في سوريا، وتتحرك في ملفات داعش والجماعات المتطرفة، وهو ما يتقاطع مع الأجندة المصرية التي تضع مكافحة الإرهاب في صدارة أولوياتها. لكن الأهم أن القاهرة وأنقرة، برغم تباينهما السياسي في فترات سابقة، يدركان أن مصالح الأمن القومي لا تحتمل رفاهية القطيعة.

الحقيقة أن أجهزة المخابرات بطبيعتها لا تعرف الانقطاع. قد يختلف الساسة في المؤتمرات العلنية وتتصاعد التصريحات المتوترة على الشاشات، لكن على الأرض، تبقى خطوط الاتصال الاستخباراتي مفتوحة على الدوام. بل إن رجال المخابرات قد يلتقون – كما يقول الخبراء – في مركب في قلب البحر، بعيداً عن الأعين، يتباحثون في أدق الملفات التي تمس استقرار الدول. وهنا المفارقة: ما يغيب عن الإعلام أحياناً أهم بكثير مما يظهر في العناوين.

الإعلام لا يعكس الحقيقة دوماً. فبينما ينشغل المشهد العام بخطابات وتصريحات، تدور خلف الكواليس ترتيبات صامتة تضع خريطة المستقبل. اللقاء المصري–التركي الأخير مثال صارخ على ذلك: العنوان المعلن هو ضرورة إنهاء حرب غزة سريعاً وفق مقترح الوسطاء، لكن ما بين السطور أن البلدين يفتحان صفحة جديدة من التعاون الأمني، قد ترسم ملامح الترتيبات الكبرى في المنطقة خلال المرحلة القادمة.

إن الرسالة التي يبعثها هذا اللقاء واضحة: الأمن القومي يُصنع في الغرف المغلقة، لا على الشاشات. والمخابرات – بما تملكه من أدوات ومرونة – تظل حجر الزاوية الذي يحمي الدول من الانهيار وسط أجواء سياسية متقلبة.

الشرق الأوسط إذن على موعد مع مرحلة جديدة، عنوانها: السياسة قد تختلف… لكن المخابرات لا تتوقف عن العمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى