بين الوساطة والضغوط الإنسانية: القاهرة في قلب معادلة غزة

بقلم – واصف ماجد

مع تصاعد الحرب في غزة واقترابها من إكمال عامين كاملين، عادت مصر لتتصدر واجهة المشهد كوسيط إقليمي رئيسي، في ظل تحركات دولية تقودها القاهرة بالتنسيق مع الولايات المتحدة وقطر، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل يوقف القتال ويؤدي إلى الإفراج عن الرهائن، إلى جانب وضع ترتيبات لإدارة جديدة في القطاع بديلة عن حركة “حماس”.

تتزامن هذه الجهود مع تسريبات إعلامية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية تدرس التراجع عن هجومها المخطط على مدينة غزة، شرط أن يتضمن الاتفاق ضمانات حقيقية لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى. غير أن التباين ما زال قائمًا: فإسرائيل ترفض أي اتفاق جزئي وتصرّ على نزع سلاح “حماس”، بينما تشترط الحركة انسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل وتدفق المساعدات الإنسانية بلا قيود.

وفي خضم هذا التجاذب، برز تصريح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الذي لمّح إلى إمكانية نشر قوات دولية في غزة إذا طلب الجانب الفلسطيني ذلك، في رسالة واضحة بأن القاهرة تضع جميع الخيارات على الطاولة، وتستثمر موقعها كدولة محورية في التوازنات الإقليمية.

لا يقتصر هذا الدور على كونه جهدًا دبلوماسيًا خارجيًا، بل له انعكاسات مباشرة على الداخل المصري. فالنظام يستخدم انخراطه في ملف غزة لتأكيد حضوره كلاعب إقليمي أساسي لا غنى عنه في أي تسوية، وهو ما يعزز صورته أمام الرأي العام المحلي كدولة قادرة على التأثير في مسارات الأزمات الكبرى.

كما يمنح الملف الفلسطيني القاهرة فرصة لإعادة ضبط علاقاتها الدولية، خصوصًا مع واشنطن التي ترى في مصر شريكًا لا يمكن تجاوزه في قضايا الأمن الإقليمي. هذه المكانة تترجم داخليًا إلى أوراق سياسية يستخدمها النظام لتعزيز الاستقرار، في وقت يشهد فيه الاقتصاد تحديات كبرى.

المشهد الميداني في غزة، الذي تصفه التقارير الرسمية بأنه كارثي من حيث الخسائر البشرية والدمار، يفرض ضغوطًا متزايدة على الوسطاء، وفي مقدمتهم مصر. فمع استمرار سقوط الضحايا وانهيار البنية التحتية، تتضاعف الضغوط الإنسانية، وهو ما يضع القاهرة أمام معادلة دقيقة: الاستجابة للأبعاد الإنسانية للأزمة، مع مراعاة حساباتها السياسية والأمنية، خصوصًا ما يتعلق بأمن حدودها مع القطاع.

حتى الآن، من غير المؤكد أن المفاوضات ستُفضي إلى اتفاق شامل، لكن المؤكد أن القاهرة تراهن على هذه الجولة من الوساطة لإعادة تثبيت موقعها الإقليمي. فإذا نجحت، ستعزز مكانتها كقوة تفاوضية لا غنى عنها، أما إذا تعثرت الجهود، فستظل مصر الطرف الوحيد الذي يملك قنوات مفتوحة مع جميع الأطراف، ما يحافظ على دورها وإن تأجلت النتائج.

وفي جميع الأحوال، يبقى العامل الإنساني الضاغط في غزة، إلى جانب التباين الحاد بين إسرائيل و”حماس”، المحدد الرئيسي لمسار المفاوضات، بينما تواصل مصر تحركاتها على خيط رفيع بين متطلبات السياسة الإقليمية وحساباتها الداخلية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى