قناة الجزيرة.. منبر التطرف وصوت الكراهية

الأستاذ الكبير إبراهيم عيسى، أحد أبرز الأساتذة الذين شكّلوا وجدان أجيال من الصحفيين والإعلاميين، شخصية تثير الجدل، ويروق لي دائمًا أن أختلف معه فكريًا، مع احتفاظي له بالحب والتقدير لمكانته وقيمته الصحفية والثقافية.
وقد طرح الأستاذ إبراهيم مؤخرًا فكرة لافتة للنظر، حين أشار إلى احتمال أن تقدم إسرائيل على قصف قناة الجزيرة باعتبارها الناطق الإعلامي غير الرسمي باسم الجماعات الإرهابية والمتطرفة حول العالم. ورغم قوة الطرح وصدمته، فإنني أرى أن القضية لا تحتاج إلى قصف أو عدوان، وإنما إلى موقف عربي عقلاني وقرار حاسم بإغلاق هذه القناة التي تحولت إلى بؤرة لنشر الفتنة وتغذية العنف.
فالجزيرة لم تعد مجرد وسيلة إعلامية، بل أصبحت أداة دعاية ممنهجة لصالح التطرف، صوتًا دائمًا للتنظيمات الإرهابية، وواجهة مشرعنة لخطاب الكراهية. والغريب أنها قناة عربية، لكنها لا تُعير أي اهتمام حقيقي للتنوع المجتمعي في عالمنا العربي. فهي لا تستضيف مسيحيين، ولا تمنح لهم منابر للتعبير عن قضاياهم، بل وإذا اضطرت لمناقشة شأن يخصهم، فإنها تعرضه من زاوية الإسلاميين المتشددين، وبنفس أرضيتهم الفكرية، مما يزيد من تكريس الأحادية والانغلاق.
أنا بطبيعة الحال ضد أي اعتداء على سيادة الدول، وضد أي شكل من أشكال العنف العسكري، لكن من واجب جامعة الدول العربية أن تتحرك، وأن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذه القناة التي انحرفت عن رسالتها الإعلامية، لتتحول إلى منبر طائفي بامتياز، يزرع الكراهية في المجتمعات العربية، ويضرب أي محاولة لبناء التعايش المشترك.
لقد كانت الجزيرة، وما زالت، سببًا مباشرًا أو غير مباشر في العديد من الاعتداءات الطائفية التي تعرّض لها الأقباط في مصر وفي غيرها. فهي الحاضنة الفكرية التي تحتضن خطاب المتطرفين، وتعيد تدويره وتصديره إلى الشارع العربي. والأدهى من ذلك أن هذه القناة – مثل غيرها من القنوات المشابهة – لا يعمل فيها أقباط، ولا تمنحهم فرصة للظهور أو المشاركة، وكأنها تقرر سلفًا إقصاء شريحة كاملة من أبناء الأمة.
إن إغلاق الجزيرة ليس مجرد مطلب لحماية الأقباط، بل ضرورة لحماية المجتمعات العربية من التلوث الإعلامي الذي يغذّي الإرهاب، ويعيد إنتاج الطائفية والانقسام. فالمعركة مع الإرهاب ليست فقط بالسلاح، بل أيضًا بالفكر والإعلام، ومن هنا يصبح إغلاق هذه القناة خطوة مهمة على طريق حماية العقل العربي من التشويه، وبناء إعلام نزيه يحترم كل مواطنيه على اختلاف أديانهم وانتماءاتهم