من الإدانة إلى الفعل: قمة الدوحة ومحطة تاريخية على طريق الأمة

بقلم عثمان الشويخ

لم تكن القمة العربية الإسلامية في الدوحة مجرد اجتماع سياسي عابر، بل محطة فارقة أعادت رسم ملامح المشهد الإقليمي، ووضعت الأمة كلها أمام اختبار مصيري. فالعدوان الإسرائيلي الأخير على دولة قطر لم يكن استهدافًا لبلد بعينه أو انتهاكًا لسيادته فحسب، بل شكّل تحديًا مباشرًا لكرامة العرب والمسلمين جميعًا، ورسالة صريحة بأن إسرائيل لا تريد سلامًا، وإنما تسعى لإدامة الفوضى من أجل خدمة مشروعها التوسعي.

في هذه الأجواء المشحونة، جاءت كلمات القادة العرب والإسلاميين لتكشف عن تحول جوهري في الخطاب السياسي. فقد اعتدنا لعقود طويلة لغة الإدانة والشجب، لكن قمة الدوحة أعلنت بداية مرحلة جديدة. الموقف الأبرز كان للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي لوّح لأول مرة بشكل واضح بإمكانية إلغاء معاهدة كامب ديفيد، واصفًا السلوك الإسرائيلي بـ”المنفلت” و”العدو”. لم يكن ذلك مجرد تصريح سياسي، بل رسالة قوية بأن الصبر قد نفد، وأن الأمن الإسرائيلي لن يتحقق إلا عبر احترام القوانين الدولية والالتزام بالسلام العادل.

ولم يكن السيسي وحده من تبنّى هذا التوجه، إذ جاءت دعوات قادة آخرين، من بينهم الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء العراقي، لتؤكد ضرورة الانتقال من خانة الكلام إلى الفعل. الجميع شدد على أن المواجهة الفردية لم تعد مجدية، وأن المطلوب هو جبهة موحدة وتحالف واسع قادر على الردع. وقد انعكس هذا التوجه في البيان الختامي للقمة، الذي تضمن خطوات عملية مثل تفعيل قوات الردع الخليجية، والتنسيق من أجل الدفع بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.

مرة أخرى، برز الدور المحوري لمصر بوصفها حجر الزاوية في أي تحرك عربي جاد. فالتاريخ يثبت أن القاهرة كانت دائمًا في قلب المعادلات الكبرى: دافعت عن العراق، وحررت الكويت، وحمت الحدود السعودية. واليوم تعود لتطرح من جديد فكرة إنشاء آلية عربية – إسلامية للتنسيق والتعاون، وهي الفكرة التي سبق أن طرحها الرئيس المصري عام 2015، لكنها باتت الآن أكثر إلحاحًا أمام التحديات الراهنة.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم معلقًا: هل سيتحول هذا الزخم السياسي إلى خطوات عملية؟ هل تستطيع الأمة أن تتجاوز انقساماتها الداخلية وتنتقل من مرحلة رد الفعل إلى الفعل المنظم؟ أم أننا سنعود إلى دائرة البيانات الرنانة دون أثر ملموس؟

الواقع أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، ولا تقيم وزنًا لاتفاقيات أو قوانين إذا اصطدمت بأهدافها. ومن هنا، فإن ما جرى في قمة الدوحة ليس سوى بداية الطريق. لقد وُضعت الأمة أمام مفترق حاسم: إما أن تكون أمة واحدة قادرة على حماية مصالحها وفرض احترامها، أو أن تبقى ممزقة، مرتهنة لقوى خارجية تستغل ضعفها لخدمة مصالحها. إنها لحظة “نكون أو لا نكون”، والاختيار لم يعد يحتمل التأجيل.

اظهر المزيد

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى