أهمية زيارة ملك إسبانيا لمصر في التوقيت الراهن وانعكاساتها على القضية الفلسطينية

تأتي زيارة ملك إسبانيا فيليبي السادس وقرينته إلى مصر في لحظة إقليمية ودولية شديدة الحساسية، حيث لا تزال الحرب على غزة مشتعلة، والأزمة الإنسانية هناك في أسوأ مراحلها منذ عقود، فيما تتزايد التحركات الدبلوماسية من دول عربية وأوروبية لوقف إطلاق النار وفتح مسار سياسي يضمن عدم انهيار فرص الحل العادل.

في هذا السياق، تحمل الزيارة أكثر من بُعد استراتيجي وسياسي، سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين مصر وإسبانيا، أو على مستوى القضية الفلسطينية التي تفرض نفسها على جدول أعمال كل تحرك دولي.

أولًا: تعزيز الدور المصري كوسيط رئيسي

مصر منذ سنوات هي الطرف الأكثر انخراطًا في الملف الفلسطيني، سواء عبر الوساطة بين الفصائل، أو ضمان إدارة معبر رفح، أو تنسيق المساعدات الإنسانية. زيارة ملك إسبانيا إلى القاهرة تُعزز هذا الدور عبر إضفاء دعم أوروبي مباشر لجهود الوساطة المصرية، وتمنح القاهرة مزيدًا من الشرعية الدولية في تعاملها مع أطراف النزاع. وهذا يعني أن مصر لا تتحرك منفردة، بل معها حلفاء من داخل الاتحاد الأوروبي يرون في القاهرة شريكًا أساسيًا لإدارة الأزمة.

ثانيًا: الصوت الأوروبي المتمايز

إسبانيا تُعد من الدول الأوروبية القليلة التي اتخذت مواقف أكثر وضوحًا تجاه فلسطين، حيث اعترفت رسميًا بالدولة الفلسطينية في مايو 2024. واليوم تأتي زيارة الملك لتأكيد هذا الموقف، مع إدانته الصريحة للمعاناة الإنسانية في غزة ووصفه إياها بأنها “أزمة لا تُطاق”. مثل هذا الموقف يساهم في تشكيل اتجاه أوروبي جديد، يمكن أن يُوازن مواقف بعض الدول الأخرى الأكثر تحفّظًا أو الأقرب لإسرائيل.

ثالثًا: دعم الحل السياسي ومنع التهجير

خلال اللقاءات الرسمية في القاهرة، جرى التحذير من خطورة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهي رسالة بالغة الأهمية في ظل مخاوف من مخططات لتغيير ديموغرافي في غزة أو الضغط على سكانها للنزوح. تأكيد مصر وإسبانيا المشترك على رفض التهجير يعزز من الجبهة الدولية المناهضة لهذا السيناريو، ويُسهم في حماية الحقوق الفلسطينية الأساسية.

رابعًا: الضغط الإنساني والدبلوماسي

الزيارة تسلط الضوء على الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة، وتضعها على طاولة البحث الدولي من جديد، خاصة أن أصواتًا أوروبية عديدة لا تزال مترددة في تبني خطاب قوي تجاه إسرائيل. تصريحات الملك في القاهرة تُشكل ضغطًا أخلاقيًا وسياسيًا على المجتمع الدولي، بما قد يُترجم لاحقًا إلى دعم أكبر للمساعدات أو تبني مواقف أكثر صرامة داخل مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة.

خامسًا: البُعد الرمزي والسياسي

من الناحية الرمزية، زيارة ملك لإحدى الدول العربية الكبرى كـمصر في وقت حرب، تحمل رسالة واضحة مفادها أن هناك دعمًا أوروبيًا مباشرًا للسلام وللقضية الفلسطينية، وأن الملف الفلسطيني ليس غائبًا عن حسابات القصور الملكية أو دوائر القرار الغربي. هذا البعد الرمزي، وإن بدا ناعمًا، لكنه مهم لأنه يوجّه الرأي العام الدولي ويعيد تركيز الأنظار على مأساة غزة.

يمكن القول إن زيارة ملك إسبانيا لمصر في هذا التوقيت تخدم القضية الفلسطينية عبر ثلاثة مسارات:

  • دعم الدور المصري كوسيط أساسي لا غنى عنه.
  • إضافة زخم أوروبي سياسي وإنساني لصالح الفلسطينيين.
  • الضغط ضد محاولات التهجير وضمان بقاء ملف غزة ضمن الأولويات الدولية.

وبذلك، فإن الزيارة لا تقتصر على كونها حدثًا بروتوكوليًا، بل هي رسالة سياسية ودبلوماسية متكاملة تُعزز فرص إحياء المسار السياسي للقضية الفلسطينية وتُسهم في حماية حقوق شعبها في لحظة فارقة من تاريخه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى