اتفاقيات الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان وبين الإمارات والهند .. ماذا نفهم؟

لم تكن الخطوة السعودية بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، ولا خطوة الإمارات الموازية مع الهند، مجرد تفاهمات عابرة أو بروتوكولات دبلوماسية روتينية؛ بل هي مؤشرات على تحوّل أعمق في خريطة التحالفات الإقليمية والدولية. فاختيار الرياض لإسلام آباد، وأبوظبي لنيودلهي، يعكس أن الخليج لم يعد يتحرك ككتلة واحدة في مقارباته الأمنية، وأن مصالح الدولتين الكبيرتين في المنطقة بدأت تسلك مسارات متوازية أحيانًا، وربما متعارضة في لحظات أخرى. هنا يصبح السؤال: هل نحن أمام توازن ذكي في توزيع الأدوار الخليجية، أم أمام بداية تناقض استراتيجي قد يظهر عند أول اختبار جاد بين الهند وباكستان؟
- البعد التاريخي والتحالفات التقليدية
السعودية – باكستان:
• العلاقات بين البلدين تمتد لعقود؛ إذ أرسلت باكستان قوات لحماية السعودية في السبعينيات والثمانينيات.
• الرياض دعمت الاقتصاد الباكستاني عبر القروض والنفط بأسعار تفضيلية.
• هناك بعد ديني قوي: السعودية قبلة المسلمين، وباكستان الدولة الإسلامية النووية، وهو ما يخلق شرعية رمزية متبادلة.
• الاتفاقية الدفاعية ليست مجرد تحالف عسكري، بل استمرار لـ”زواج استراتيجي” طويل الأمد.
الإمارات – الهند:
• العلاقات شهدت صعودًا ملحوظًا خلال العقد الأخير.
• الهند أكبر شريك تجاري للإمارات، وجاليتها (3.5 مليون شخص) تشكّل ركيزة أساسية في الاقتصاد الإماراتي.
• توقيع اتفاق دفاعي مع الهند يعني نقل العلاقة من الاقتصاد والتجارة إلى تحالف أمني–استراتيجي مع قوة آسيوية صاعدة.
- التناقض البنيوي (الهند – باكستان)
• الهند وباكستان على خلاف دائم منذ استقلالهما عام 1947 بسبب قضية كشمير.
• أي اتفاق عسكري مع أحد الطرفين يضعك تلقائيًا في موقع غير محايد.
• السعودية قد تُستدعى لدعم باكستان إذا تصاعد التوتر.
• الإمارات قد تجد نفسها أقرب إلى الهند في نفس الصراع.
• النتيجة: شرخ محتمل في وحدة الموقف الخليجي، إذ استثمر كل طرف في خصم للآخر. - البعد الإقليمي (إيران – الصين – أمريكا)
إيران:
• السعودية ترى باكستان حائط صد أمام النفوذ الإيراني، خاصة على حدود بلوشستان.
• الإمارات تراهن على الهند، التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران (ميناء تشابهار).
• هنا يظهر التعقيد: أبوظبي قد تستفيد من علاقة نيودلهي–طهران، بينما الرياض تنظر إلى باكستان كخط دفاع أول.
الصين:
• حليف وثيق لباكستان عبر “الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني”.
• في الوقت نفسه، شريك اقتصادي رئيسي للهند.
• أي انفتاح خليجي على الهند أو باكستان يصب في مصلحة بكين لأنه يعزز شبكتها الآسيوية–الخليجية.
أمريكا:
• واشنطن كانت تاريخيًا الضامن الأمني للخليج.
• فتح الباب أمام اتفاقيات دفاعية مع الهند وباكستان قد يكون جزءًا من استراتيجية أمريكية غير مباشرة لربط الخليج بآسيا وتقليل الاعتماد على واشنطن وحدها.
• لكن ذلك قد يُضعف الموقف الموحد لدول مجلس التعاون أمام الولايات المتحدة.
- البعد الاقتصادي – الأمني
السعودية:
• تراهن على باكستان لما تملكه من قوة بشرية عسكرية ونفوذ إسلامي عالمي.
• لكن الاقتصاد الباكستاني ضعيف ويعتمد على الدعم الخارجي، ما قد يجعل الالتزام الدفاعي عبئًا.
الإمارات:
• اختارت الهند لأسباب اقتصادية وتقنية وسياسية.
• الهند سوق هائل، قوة نووية، وتملك تكنولوجيا متقدمة خاصة في الفضاء والدفاع.
• بالنسبة للإمارات، هذا تحالف يبدو أكثر استدامة من الاعتماد على باكستان.
- الخليج ومستقبل التوازنات
• الاتفاقيتان تكشفان أن السعودية والإمارات لم تعودا تتحركان ككتلة واحدة في الأمن القومي.
• الرياض تتحرك وفق الهوية الإسلامية والتحالفات التقليدية.
• أبوظبي تتحرك وفق البراغماتية الاقتصادية والتحالفات مع القوى الصاعدة.
• هذا قد يفتح الباب أمام تنافس داخلي داخل الخليج:
• من يسيطر على العلاقة الأعمق مع آسيا؟
• ومن يضمن حماية الخليج إذا تراجع الدور الأمريكي؟ - السيناريوهات المستقبلية
- سيناريو التنسيق الذكي
• يتحول التباين بين السعودية والإمارات إلى نوع من تقسيم الأدوار الاستراتيجي؛ بحيث تمتلك الرياض ورقة النفوذ العسكري الإسلامي عبر باكستان، بينما تسيطر أبوظبي على ورقة الاقتصاد والتكنولوجيا عبر الهند. • هذا التنسيق قد يمنح الخليج قدرة أكبر على مخاطبة آسيا من موقع قوة مزدوجة، بدلًا من أن يكون رهينة لمحور واحد.
• إذا أحسنت الدولتان إدارة هذا الاختلاف، قد يصبح نموذجًا للتكامل الخليجي بدلًا من التنافس. - سيناريو التناقض الصريح • في حال اندلاع حرب أو توتر كبير بين الهند وباكستان، ستجد السعودية والإمارات نفسيهما في معسكرين متعارضين. • هذا التناقض قد يؤدي إلى أزمة ثقة داخل مجلس التعاون الخليجي، ويكشف هشاشة التنسيق الأمني بين أعضائه. • خصوم الخليج (إيران، تركيا، وإسرائيل) قد يستغلون هذا الانقسام لتعزيز مواقعهم وإضعاف القدرة الخليجية على التحرك الموحد. • ربما تستخدم القوى الكبرى (روسيا أو الصين) هذا الانقسام لزيادة نفوذها عبر كل طرف على حدة.
- سيناريو الاستفادة الدولية • الولايات المتحدة قد ترى في هذا التباين فرصة لإبقاء السعودية والإمارات معتمدتين على واشنطن كوسيط يضمن عدم انفجار التناقضات. • الصين، بحكم علاقاتها مع الطرفين الآسيويين (الهند وباكستان)، قد تكون المستفيد الأكبر، إذ تستطيع لعب دور “الموازن” بين التحالفات الخليجية–الآسيوية. • النتيجة: يتحول الخليج إلى ساحة تشبيك مصالح آسيوية–غربية، ما يقلل من استقلالية قراره الأمني.
- سيناريو الجمود الاستراتيجي • قد تختار السعودية والإمارات إبقاء الاتفاقيات في إطار رمزي، دون تفعيل عملي أو التزامات ميدانية حقيقية. • في هذه الحالة، تصبح الاتفاقيات مجرد أوراق ضغط سياسية واقتصادية، لكنها لا تغيّر موازين القوى على الأرض. • هذا السيناريو يجنّب الصدام، لكنه يضعف جدوى الاتفاقيات على المدى الطويل.
- سيناريو التحالف الخليجي–الآسيوي الأوسع • من المحتمل أن تتحول هذه الاتفاقيات إلى نواة لتحالف أكبر يشمل بقية دول الخليج، بحيث تتوزع الأدوار: • قطر أو عمان تنفتح أكثر على الهند.
• الكويت أو البحرين تقرّب خطواتها من باكستان.
• بذلك يتحول الخليج إلى شريك رئيسي لآسيا بدلًا من مجرد سوق أو مصدر للطاقة وماذا بعد ؟
اتفاقية السعودية مع باكستان والإمارات مع الهند ليست مجرد ترتيبات عسكرية، بل رسائل سياسية تكشف اختلاف الرؤى داخل الخليج.
• الرياض تراهن على “التحالف الإسلامي العسكري” التقليدي.
• أبوظبي تراهن على “التحالف الاقتصادي–التكنولوجي” مع قوة آسيوية صاعدة.
هذا التباين قد يتحول إلى ورقة قوة إذا أُحسن استغلاله، لكنه قد يصبح مأزقًا استراتيجيًا إذا تفجّر الصراع الهندي–الباكستاني، حيث سيجد الخليج نفسه موزع الولاءات بدلًا من أن يكون كتلة موحدة