تدخل يوناني في انتخابات رئاسة دير سانت كاترين.. أزمة ثقة وقانون غائب

تشير المعطيات الأخيرة إلى أن اليونان لعبت دورًا مؤثرًا في هندسة انتخابات رئاسة دير سانت كاترين، وهو تدخل اعتبره كثيرون غير نزيه ويهدد شرعية العملية برمتها. فبين خمسة رهبان تنطبق عليهم شروط الترشح، خرج اثنان من المنافسة لضعف شعبيتهم، لتبقى المنافسة الفعلية بين ثلاثة رهبان. لكن المفاجأة أن اليونان لم تسمح إلا بمشاركة راهب واحد فقط هو “سيميون”، الذي فاز بالمنصب، بينما لم يحصل الآخران حتى على تصريح للعودة إلى مصر والمشاركة في الانتخابات.

هذا المشهد يعكس مشكلة أعمق: غياب الثقة بين رهبان الأخوية اليونانية في سيناء والمصريين، إذ لم يلجأ الدير إلى محامٍ مصري كفء لإدارة ملفاته القانونية أمام المحاكم. على سبيل المثال، حكم استئناف محكمة الإسماعيلية مضى عليه أكثر من شهرين دون تقديم نقض، فأصبح الحكم نهائيًا وباتًا، وهو ما يثير علامات استفهام حول إدارة الملف القانوني برمته.

وفقًا للقانون الدولي، فإن أي محاولة من جانب اليونان للتصعيد أمام المحاكم الدولية ستكون غير ذات جدوى إذا لم تُستنفد درجات التقاضي داخل مصر. وما جرى حتى الآن لا يعد استنفادًا بل تخليًا عن الحق، بما قد يُفهم منه وجود قبول أو تراضٍ ضمني.

الأزمة تفتح الباب أمام سيناريوهات أخرى، منها لجوء الأخوية إلى حلول داخلية قائمة على المساومات مع اليونان، مثل الاتفاق العرفي على انتخاب خليفة موالٍ لدميانوس، مقابل تمرير بعض ممتلكاته. غير أن هذه الخطوة تصطدم بعقبة قانونية خطيرة: فشخصية “دميانوس” ليست معترفًا بها في السجلات القضائية المصرية، بل الاسم الحقيقي هو “ديمتري سامتريس”، وهو المالك الفعلي، لا الدير. وبما أنه يملك الأراضي بصيغة “حق انتفاع”، فإن القانون لا يتيح له بيعها أو تمريرها لخليفته أو حتى توريثها لورثته.

هنا يبرز السؤال الأهم: هل تدرك الأخوية خطورة الوضع القانوني الذي وضعت نفسها فيه؟ إن غياب الوعي القانوني، وضعف الثقة في الكفاءات المصرية، وعدم وجود مشورة متخصصة، كلها عوامل تُفاقم الأزمة وتجعل الدير عرضة لفقدان ممتلكاته.

إن أزمة دير سانت كاترين ليست مجرد خلاف حول انتخابات داخلية، بل هي قضية تمس سيادة القانون المصري، وتكشف كيف أن تجاهل الآليات القانونية السليمة يفتح الباب أمام تدخلات خارجية وخلل داخلي يصعب إصلاحه.

وكما جاء في الحكمة الكتابية: “مقاصد بغير مشورة تبطل، وبكثرة المشيرين تقوم.” (أمثال 15: 22)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى