من هيستريا إلى «ضي»: السينما تبحث عن خيط النجاة ونبرة صوت تضيء عتمة الحكاية

في صورة سينمائية تتجاوز الضوء المادي لتصبح نوراً يلامس الروح، يفتح العمل نافذة على معنى يربط بين الأمل وضجيج العالم. ضياء هنا ليس مجرد شعاع بل صدى روحي يبعث الفرح والطمأنينة عندما يلامس قلب إنسان، كأنه مسافة تنشأ بين ظلال العتمة ونور السكينة.
حين نذكُر تاريخاً مخزناً من التجارب الفنية، يبرز في الذاكرة صوت صرخات وجع من داخل روح مكسورة بالحروب والخسائر. فبعد نحو ربع قرن ظهر صوت في أعمال تُذكِّر أن الضوء ليس محصوراً في الرؤية العينية فقط، بل في الإحساس الذي يجعل وجودنا ذا معنى. ومع استمرار تدفق الأصوات، يتولد من هذا الضوء حسّ جماعي يتخطّى الفردية ويؤكد أن الأمل لا يموت ما دامت هناك حكايات تشبّعت بالإنسانية وتواصلت عبر الوجدان.
في فيلم يفتح باباً لرحلة بصرية وجدانية عميقة، يصوغ المؤلف هيثم دبور مع المخرج كريم الشناوي إطاراً ي tracing أعماق النفس البشرية، ليستخلص أسئلة لا نهائية حول تقبّل الآخر والاختلاف بين البشر، والسعي للوصول إلى مشتركات من خلال اختلافاتهم. يسعى الفيلم إلى تمكين كل فرد من اكتشاف «ضيّه» الخاص الذي يميز وجوده ويحين له لقاءً مع أضواء الآخرين فتتفاعل الشظايا وتكتمل دائرة النور.
يتعالى في هذا العمل صوت محمد منير ليكون عصباً جذاباً في صراع الإنسان مع الانطفاء والرغبة في البقاء، مع العزلة وطموح العودة. بدءاً من افتتاحية تغري بالتأمل في وجودنا، يتساءل المشاهد عما إن كان لدى كل منا ضيّ خافت يكفي للحياة أم أننا بحاجة إلى شمس أقوى لاستعادة البصر في عالم تزداد فيه الضوضاء والضباب.
إلى جانب الأسئلة الوجودية المطروحة، يقدّم الفيلم بطله الصغير بدر محمد، فتيٌ من أرض النوبة يعاني من حالة وراثية تُعرف بالمهق. وجهة نظره وإيقاع صوته العذب يفتحان باباً نحو البحث عن الضوء وسط قضية التنمر التي تطارد من يختلف عن المحيط. تقف إلى جانبه مدرسة الموسيقى المسيحية “صابرين” وتدعمه الفنانة أسيل عمران، فيجتاز رحلته إلى القاهرة بصحبة والدته إسلام مبارك وأخته حنين سعيد. تتعاقب تحديات الحبكة وتبدو في كثير من moments محكومة بالصدفة أكثر منها بنسق درامي متماسك، وتتنقل الكاميرا مع الأبطال عبر محافظات متعددة، حتى يظهر مشهد شروق الشمس في الأقصر وهو يلتقط لوحة بصرية مبهرة بمناطيد ملونة، تذكِّر بمشهد من رسومات الأطفال وتعيد تشكيل الحلم في ذهن البطل.
يظهر بين ضيوف الشرف عدد من النجوم البارزين، منهم أحمد حلمي، محمد شاهين، عارفة عبد الرسول، أمينة خليل، صبري فواز، ولميس الحديدي، وأخيراً محمد ممدوح، وكل اسم منهم يضفي على العمل قيمة إضافية وتبريراً لوجوده على الشاشة. فيما عُدّ ظهور محمد منير في هذا العمل بمثابة عودة مميزة لشاشة السينما بعد غياب، يمنح الفيلم عمقاً ورؤية روحانية تعالج يوماً بعد يوم قضية الانطفاء داخل الإنسان.
في زمن يزداد فيه سواد العالم، يظل ضياء نافذة صغيرة تتيح لنا رؤية أنفسنا وتحديد موقعنا بشكل صادق، وتذكيرنا بأن الأمل لا يموت طالما بقي فينا شعاع يحثنا على الاستمرار. ورغم أن الفيلم ليس فيلماً جماهيرياً تقليدياً يفتتح الأبواب عند عرضه الأول، إلا أنه وجد مكانة في مهرجانات دولية وتفاعل المثقفين والذائقة السينمائية معه كونه تجربة مختلفة ومميزة تدعو إلى التأمل والنقاش، وتؤكد أن الاختلاف قابل للتحويل إلى طاقة جمال وسحر يعزّز الهوية الأصيلة وتراث النوبة العريق، ويرسو بنا نحو نورٍ أكبر يواكب المهمشين في رحلتهم نحو الاعتراف والاستحقاق.
اقرأ أيضاً
مصدر لم نحافظ فيه على الروابط
المعنى هنا أن الفيلم يفتح باباً أمام نقاش عميق حول كيف يتشكل الضوء بداخله الإنسان وكيف يمكن أن يكون اختلافنا نواة للجمال بدلاً من سبب للخوف أو الإقصاء.