رفعت فياض: محمد عبد اللطيف.. الوزير الذي نجح في الامتحان منذ اليوم الأول للدراسة

◼️ س: أستاذ رفعت، من المعروف أنك قريب من ملفات التعليم وتتابعها بدقة منذ سنوات طويلة، كيف تقيّم المشهد في العام الدراسي الجديد؟

ج: الحقيقة، ما شاهدته هذا العام يستحق أن يُسجَّل في تاريخ التعليم. أقولها شهادة حق: وزير التربية والتعليم الدكتور محمد عبد اللطيف نجح منذ اليوم الأول. لأول مرة منذ 30 عامًا نشهد حضورًا طلابيًا مرتفعًا داخل المدارس يصل إلى نحو 90% من الطلاب، والكتب المدرسية كانت في أيديهم منذ اليوم الأول، دون ربطها بسداد الرسوم الدراسية كما كان يحدث من قبل.

الوزير لم يكتفِ بالتوجيهات من مكتبه، بل قام بجولات ميدانية واسعة في مختلف المحافظات، يتفقد بنفسه الفصول ويطمئن على انتظام العملية التعليمية. هذا المشهد لم نعتده من وزراء سابقين، لكنه أصبح عادة عند الوزير منذ توليه المسؤولية قبل نحو 14 شهرًا.

◼️ س: وما أثر هذه الزيارات الميدانية من وجهة نظرك؟

ج: هذه الزيارات صنعت فارقًا كبيرًا. الوزير يريد أن يعيد “المدرسة” إلى مكانها الطبيعي، مكان للتربية أولًا ثم التعليم، وليس مجرد مبنى مهجور يلجأ إليه الطلاب للحصول على شهادة صورية بينما التعليم الحقيقي يجري في السناتر. على مدى 30 عامًا فقدت المدرسة دورها التربوي، وغرقت الأسر المصرية في عبء الدروس الخصوصية التي وصل حجم الإنفاق عليها إلى ما يقرب من 80 مليار جنيه سنويًا وفق آخر إحصاءات تقريبية.

اليوم، بفضل هذه السياسات، بدأنا نرى الفصول تمتلئ من جديد، وعادت المدرسة لتكون ساحة لتشكيل الشخصية والتوجيه والإرشاد، لا مجرد مكان إداري فارغ.

◼️ س: ملف الكثافات داخل الفصول كان معقدًا للغاية، هل هناك إنجاز حقيقي فيه؟

ج: نعم، الوزير نجح فيما فشل فيه آخرون. في السابق كنا نرى فصولًا تضم 120 أو حتى 150 طالبًا، وهو وضع لا يمكن أن يحدث فيه أي تعليم. لكن هذا العام لم نجد فصلًا يتجاوز 50 طالبًا. وهذا لم يحدث ببناء آلاف المدارس الجديدة، بل بإدارة مختلفة للموارد وإعادة توزيع الطلاب بشكل أفضل.

◼️ س: ماذا عن عجز المعلمين الذي كان صداعًا دائمًا في رأس الوزارة؟

ج: هنا أظهر الوزير مرونة كبيرة. منح مديري المدارس سلطات موسعة تُمكّنهم من التعاقد مع معلمين بالحصة حسب حاجة كل مدرسة، وكأنه يقول لكل مدير: أنت شريك في النجاح ولست مجرد منفذ للأوامر. بل أكثر من ذلك، سمح للمعلمين الذين بلغوا سن المعاش أن يستمروا عامًا قابلاً للتجديد ثلاث مرات، إذا كانت لديهم الرغبة والمدرسة بحاجة إليهم. بهذه الطريقة حافظنا على خبرات نادرة وسدينا نسبة كبيرة من العجز، وأشعرنا كل معلم أن خبرته مطلوبة ومقدّرة.

◼️ س: لننتقل إلى مسألة الكتب، هل اختلف الوضع هذا العام؟

ج: لأول مرة منذ سنوات طويلة، تسلّم التلاميذ الكتب المدرسية كاملة في اليوم الأول للدراسة. وهذا أمر لم يحدث منذ عقود. الوزير لم يربط تسليم الكتب بسداد الرسوم، وبالتالي أصبح الطالب قادرًا على المذاكرة من أول يوم. هذا يغيّر نفسية الأسرة والطالب معًا، ويعيد الثقة في المدرسة كمصدر للتعليم.

◼️ س: قضية المدارس الدولية دائمًا ما تثير جدلًا بشأن الهوية الوطنية، كيف تعامل الوزير مع ذلك؟

ج: الوزير اتخذ قرارًا تاريخيًا. ألزم كل المدارس الدولية بتدريس اللغة العربية، والتربية الدينية، والدراسات الاجتماعية. وهذه المواد لم تظل شكلية كما في الماضي، بل أصبحت جزءًا من المجموع بنسبة 20% من إجمالي الدرجات: 10% للغة العربية و10% للتاريخ أو الدراسات. هذا القرار يحمي هوية أبنائنا في هذه المدارس، ويضمن أنهم يعرفون لغتهم القومية وتاريخهم، بدلًا من أن يعيشوا في حالة اغتراب داخل وطنهم.

◼️ س: ماذا عن المناهج الجديدة والتعاون الدولي، خاصة مع اليابان؟

ج: الوزير نجح لأول مرة في الاتفاق مع الجانب الياباني على تدريس منهج الرياضيات لطلاب الصف الأول الابتدائي كما يُدرَّس في اليابان بالضبط، على أن يمتد التطبيق تدريجيًا. اليابان من أفضل دول العالم في تعليم الرياضيات، وهذه نقلة كبيرة لنا.

كذلك، هناك اتفاق لإدخال مادة “الذكاء الاصطناعي” لطلاب الصف الأول الثانوي، تُدرَّس عبر منصة رقمية بالتعلم الذاتي عن بعد، وبنفس الطريقة اليابانية. الطالب الذي يجتاز المادة يحصل على شهادة دولية كمبرمج مبتدئ. تخيّل أن طالبًا في أولى ثانوي في مصر يُمنح شهادة دولية من اليابان في مجال مطلوب عالميًا! هذه نقلة نوعية.

◼️ س: وما هي حكاية شهادة “البكالوريا المصرية” الجديدة؟

ج: هذه واحدة من أهم ابتكارات الوزير. لأول مرة هذا العام، أصبح أمام طلاب المرحلة الثانوية خيار جديد بجانب الثانوية العامة التقليدية: شهادة البكالوريا المصرية. هذه الشهادة استلهمت مزايا الشهادات الدولية مثل الـIG والـSAT والـIB، لكنها مجانية. تمنح الطالب فرص تحسين متعددة وعدد مواد أقل، وتكسر عقدة “الفرصة الواحدة” في الامتحان.

الإقبال عليها في أول عام كان واسعًا جدًا، وهذا يعكس ثقة الطلاب وأسرهم فيها. أعتقد أن هذه الشهادة ستغير مستقبل الثانوية في مصر.

◼️ س: من خلال متابعتك، كيف تصف أسلوب الوزير في الإدارة؟

ج: بصراحة، يمكن القول إن مكتبه الحقيقي ليس داخل الوزارة بل في كل مدرسة من مدارس مصر. أصبح معروفًا عنه أنه قد يظهر فجأة في أي مدرسة، لذلك تعيش كل مدرسة في حالة جاهزية دائمة. البعض أصبح يطلق عليه لقب “الوزير الطائر”، لأنه لا يستقر في مكان واحد. هذا الأسلوب خلق شعورًا عامًّا بالانضباط، وأشعر كل معلم وإدارة أن الوزير قريب منهم وليس بعيدًا عن الميدان.

◼️ س: أخيرًا، ما رسالتك حول مستقبل التعليم في ضوء هذه التطورات؟

ج: ما تحقق في 14 شهرًا فقط كان بمثابة “إعجاز”. الوزير غيّر وجه التعليم في مصر بصورة غير متوقعة. أعاد الطالب والمعلم إلى المدرسة، خفّض الكثافات، سد العجز في المعلمين، فرض الهوية الوطنية على المدارس الدولية، أدخل الذكاء الاصطناعي، واستحدث شهادة البكالوريا المصرية.

إذا استمر هذا النهج، فأنا متفائل أن التعليم المصري سيقفز قفزة كبيرة، وسيستعيد مكانته في بناء الإنسان المصري القادر على مواجهة تحديات العصر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى