اللواء عبد الحميد خيرت يقدّم قراءة تحليلية لقرار الإفراج عن علاء عبد الفتاح

وكيل جهاز مباحث امن الدولة

وسط حالة من الجدل والانفعالات السطحية التي تسود أحيانًا الخطاب العام، قد يخطئ البعض في قراءة بعض القرارات السيادية، ويتعاملون معها وكأنها تراجع أو ضعف أو خضوع لضغط خارجي. لكن الحقيقة، في كثير من الأحيان، تكون أعقد وأعمق، ومرتبطة برؤية استراتيجية وإدراك حقيقي لمصالح الدولة على المدى الطويل، كما هو الحال في قرار الإفراج عن علاء عبد الفتاح.

دعونا نضع الأمور في نصابها الصحيح، ونفكك هذا القرار من منظور رجل دولة، لا من منطلق انفعالي أو عاطفي.

لقد تعاملت الدولة المصرية مع هذا الملف بمنتهى الصلابة والاتزان منذ اليوم الأول. لم تخضع لابتزاز خارجي، ولم تنجر وراء حملات الضغط مهما كانت حدتها. وعلى مدار سنوات، ثبت أن القرار في هذا الملف ـ وغيره من الملفات الحساسة ـ لم يكن يومًا رهينة لإملاءات من الخارج، بل كان دومًا محكومًا برؤية سيادية بحتة.

ولهذا فإن الإفراج اليوم لا يعكس “ليَّ ذراع” كما يروّج البعض، بل يعكس الثقة الكاملة للدولة في سيطرتها على المشهد، وقدرتها على اتخاذ قراراتها من موقع قوة، بعد أن ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر لا تُدار إلا من داخلها.

علاء عبد الفتاح ليس مجرد اسم أو قضية، بل حالة أصبحت محل تجاذب دولي وإعلامي وسياسي. ولكن في نهاية المطاف، هو مواطن مصري، والدولة ليست في خصومة مع أبنائها، حتى وإن اختلفت معهم جذريًا أو خالفوا القانون.

ومن صميم وظيفة الدولة احتواء هؤلاء، لا بالتساهل مع الخطأ، ولكن بإتاحة الفرصة للمراجعة والتقويم والعودة إلى المجتمع، في إطار قوانينه وضوابطه.

القرار يُقرأ أيضًا ضمن سياق أوسع، مرتبط بملفات حقوق الإنسان، والعلاقات الدولية، وصورة الدولة في المحافل العالمية.

فمصر ـ خلال السنوات الماضية ـ خاضت معركة صعبة لتصحيح صورتها، وتحقيق التوازن بين حفظ الأمن والاستقرار، وبين احترام الحقوق والحريات.

الإفراج عن علاء عبد الفتاح يُرسل رسالة واضحة بأن مصر قادرة على اتخاذ قرارات جريئة دون أن تفقد هيبتها، وأنها تسير نحو مزيد من الانفتاح والثقة، دون أن تفرط في ثوابتها أو تتخلى عن حقها في فرض القانون.

من يظن أن الإفراج عن شخصية جدلية مثل علاء عبد الفتاح يأتي بلا مقابل، أو دون تمهيد وطني ودولي، يفتقد الفهم العميق لطبيعة العمل السياسي. فالدولة المصرية تعرف تمامًا كيف ومتى تُفرج، وماذا تنتظر في المقابل، سواء على مستوى الداخل أو في علاقاتها الخارجية.

وهذا القرار جزء من عملية سياسية شاملة لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة ومجتمعها السياسي، وفتح المجال العام وفق ضوابط تحفظ هيبة الدولة، وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني.

في النهاية علينا أن نفهم أن الدول لا تُدار بالشعارات أو الانفعالات. الإفراج عن علاء عبد الفتاح ليس انتصارًا له، ولا هزيمة للدولة، بل هو قرار محسوب بعناية، اتُّخذ في الوقت الذي رأت فيه مؤسسات الدولة أنه الأنسب، وبالطريقة التي تحفظ للدولة هيبتها ومكانتها.

إنه درس جديد في فن إدارة الدولة: الصلابة عند اللزوم، والمرونة عندما تخدم الوطن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى