سانت كاترين: مدينة مصرية تلتقي فيها السماء بالأرض، أيقونة الروح والجمال في قلب سيناء، طبيعة مناخية نادرة وجمال مكسو بالثلوج، أكبر محمية طبيعية من حيث المساحة وتنوع بيئي وجيولوجي فريد يجذب الباحثين والسياح

في قلب جبال جنوب سيناء وعلى هضبة شامخة تبلغ نحو 1600 متر فوق سطح البحر، تقف مدينة سانت كاترين كأحد أبرز المفاصل الروحية والبيئية في مصر. مدينة صغيرة بالحجم، كبيرة في الرمزية الدينية والجمال الطبيعي والتاريخ العميق الذي تمتد جذوره في عمق الحضارات. تقع على مسافة تقرب من ثلاثمئة كيلومتر من قناة السويس، وتغطي مساحة تقارب 5130 كيلومتر مربع محاطة بأعلى جبال مصر، مثل جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة.

هذا المكان الفريد يشكل بيئة طبيعية ساحرة تتنوع فيها الأحوال المناخية بين صيف معتدل وشتاء قارس تتساقط فيه الثلوج، فتصبح المدينة حُلماً أبيض يضفي عليها مزيداً من الجاذبية. لذلك اختارت مصر تسجيل سانت كاترين كمحمية طبيعية لما تتمتع به من تنوع بيئي وجيولوجي وأهميتها التاريخية والدينية.

السياحة الدينية وسياحة السفاري وتسلق الجبال
يعيش غالبية السكان من الزراعة والسياحة، وتلتقي فيها البيئة مع الروحانيات لتشكل عناصر جذب Turismo متعددة، أبرزها السياحة الدينية وسياحة المغامرة من سفاري وتسلق جبال. وتعتبر سانت كاترين أكبر محمية طبيعية في مصر من حيث المساحة، ما يعزز مكانتها على الخريطة السياحية العالمية.

دير سانت كاترين وُضع شامخاً عند سفح جبل موسى، وهو أقدم دير ما زال مأهولاً في العالم، تأسس في القرن الرابع الميلادي. أعاد الإمبراطور البيزنطي جوستنيان بناء الكنيسة الرئيسية فيه في القرن السادس وفق طراز ملكي يتكون من ثلاث أقسام: قدس الأقداس والهيكل والرواق، وتزيّنت قِبّة الهيكل بف mosaic فريد يُعد من أقدم وأجمل الأعمال الفنية البيزنطية.

كنيسة العليقة المقدسة
يضم الدير كنيسة العليقة المقدسة، التي يعتقد أنها تقام على موقع العليقة التي كلم الله منها نبيه موسى عليه السلام. كما تضم مكتبة الدير قيمة علمية كبرى وتُعد الثانية عالميًا من حيث المخطوطات، حيث تحتوي على أكثر من 3500 مخطوط بلغات مختلفة.

ومن أبرز معالم الدير وجود مسجد فاطمي صغير أُنشئ في القرن الحادي عشر بجوار الكنيسة الكبرى، وهو دليل آخر على تعايش الأديان وتعاونها. أما متحف الدير فيحمل كنزاً ثميناً يضم نحو 2000 أيقونة نادرة، إضافة إلى صلبان وتيجان وكؤوس مذهبة قدّمها ملوك وأباطرة من العالم المسيحي كقرابين تحفظها القاعات.

يرتفع جبل موسى إلى نحو 2285 مترًا، وهو وجهة روحية وسياحية مميزة. في قمته توجد كنيسة صغيرة ومسجد، ويحرص الزوار من مختلف الديانات على صعوده ليلاً لمشاهدة الشروق، في مشهد يخطف الأنفاس ويعيد إلى الأذهان قصة الوحي الذي كلمه الله على هذا الجبل، فصار يعرف بجبل المناجاة.

مقامات تاريخية وآثار دينية أخرى
بين وديان ومرتفعات سانت كاترين تنتشر مقامات وأطلال ذات دلالات عميقة، منها مقام النبي هارون في وادي الراحة قرب جبل الصفصافة، ومقام النبي صالح عند تقاطع وادي مرة ووادي الشيخ، إضافة إلى دير البنات في وادي فيران الذي يحوي أطلال كنيسة قديمة يعتقد أنها قامت فوق كنيسة أقدم. كما يشكل جبل البنات أحد المعالم الشعبية المرتبطة بأسطورة محلية عن فتيات قفزن من قمته رفضًا للزواج، ما أضفى له مكانة مميزة في وجدان السكان والزوار.

التجلي الأعظم: مشروع تنموي طموح
أدركت الدولة المصرية أهمية سانت كاترين كرمز عالمي للسياحة الروحية، فأطلقت مشروع التجلي الأعظم كأكبر خطة تنموية للمدينة، وتبلغ تكلفته حوالي أربعة مليارات جنيه. يهدف المشروع إلى تطوير المدينة حضرياً وسياحياً مع الحفاظ على طابعها البيئي والديني. يتضمن إنشاء مئات الوحدات السكنية والسياحية، إضافة إلى ساحة السلام التي تضم مسجداً وكنيسة ومرافق تعكس روح التعايش والتسامح. كما يشتمل على فندق جبلي ومركز للمؤتمرات والفعاليات ليجعل من سانت كاترين وجهةً للسياحة العلاجية والبيئية.

سانت كاترين: واجهة سياحية فريدة للمصريين
تمثل سانت كاترين واجهة للسياحة المصرية بنسيجها الذي يجمع بين المعالم الدينية والمناظر الطبيعية الخلابة والمناخ المتباين والهدوء الذي يجعلها ملاذاً للتأمل والاستشفاء. هي جزء من بنية جنوب سيناء السياحية التي تضم شرم الشيخ ونويبع ودهب، ما يجعل المحافظة مركزاً عالمياً يجمع بين أنواع السياحة المختلفة. وتعمل الدولة على تيسير الوصول إلى المدينة من خلال تطوير شبكات الطرق، وتوفير خدمات إقامة متزايدة، وتعزيز سياحة مستدامة تحترم خصوصية المكان.

ختاماً، ليست سانت كاترين مجرد مدينة؛ بل هي رمزٌ مصري يحتضن جبالاً مقدسة وتاريخاً فريداً وتنوعاً طبيعياً وإنسانيًا يندر وجوده. هنا يلتقي جمال الطبيعة بقدسية المكان لتظل وجهةً سياحية ودينية عالمية، وواحدة من العلامات الروحية والبيئية الخالدة في مصر.