حكاية لوحة قارئ الفنجان في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.. صور

يُعدّ هذا المعلم الفني من أبرز صروح الثقافة في الإسكندرية، حيث يضم رصيدًا غنيًا من المقتنيات واللوحات التي تعكس مسار الفن المصري من داخل المدينة ومحيطها. من بين هذه الأعمال تبرز قصة لوحة شهيرة تحظى باهتمام الزائرين، وهي عمل للفنان السكندري عبد الهادي الجزار.
رسم اللوحة للفنان عبد الهادي الجزار (1925–1966)، أحد أبرز وجوه الفن المصري المعاصر، الذي اشتهر بنزعة سردية عميقة في أعماله. نشأ الجزار في حي القباري الشعبي بالإسكندرية، ثم انتقل مع والده الذي كان عالمًا إسلاميًا للعمل في القاهرة، فاستقروا في حي السيدة زينب حيث تداخلت لديه خبرات التقاليد الدينية والحياة الحضرية الحديثة، فتكوّنت لديه رؤية تُغني الإنسان وتثري الحكاية كعنصر محوري في عمله.
أما لوحة قارئ الفنجان، فتعكس في جوهرها صفة الأسطورة الحاكية وتؤكد وظيفتها كأيقونة سردية: حين يقرأ الشخص الفنجان، يتأكد المتلقي من حتمية ما سيجري في حياته وفق قراءة منطق الحكاية. في الصورة تتجسد هذه الفكرة من خلال مشهد يحاور فيه القارئ والفنجان، مع وجود مقاعد للانتظار وسيدة أنهت قراءة فنجانها تغادر المكان. يظل وجود الإنسان محور الحكاية في أعمال الجزار، فالشخوص هي الركيزة القوامة للعمل الفني والناصع الذي يمنح العمل صدى إنسانيًا عميقًا.
تعود بدايات المتحف البلدي في الإسكندرية إلى عام 1906، حين أسست البلدية صالة عرض ضمن مجموعة لوحات هدية من محب للفنون الجميلة هو الألماني إدوارد فريد هايم، الذي بلغ مجموعها 217 عملًا لفنانين عالميين. اشترط هايم إقامة مكان عرض يضمن بقاء الأعمال في المدينة وإلا فسيعاد عرضها في موطنها الأصلي ألمانيا. وفي عام 1935 أهدى سكندري آخر، البارون شارل دى منشه، فيلا كاى محرم بك لتكون مكتبة ومتحفًا يضم الأعمال الفنية. بدأت ترتيبات تنظيم المجموعات، إلا أن الحرب العالمية الثانية أصابت المبنى فتعرض لإصابات جسيمة عام 1942، فاضطرت البلدية إلى تخزين الأعمال وتخصيص اعتمادات كبيرة لإعادة تأهيل الفيلا وتحويلها إلى متحف يليق بفنون الإسكندرية.
تفاصيل اللوحة، كما تظهر في عرض الأعمال داخل المتحف، تبرز التكوين اللوني وتداخل العناصر البشرية والدلالات الاجتماعية في مشهد قارئ الفنجان، حيث يقدِم العمل قراءة سردية حية تُدرك المشاهد بأن الحكاية لا تكتمل دون وجود الإنسان في قلبها. الصور المرافقة تعكس جانبًا من تفاصيل العمل وتعبّر عن الهوية الفنية للجزار، وتؤكد النزعة الإنسانية التي تميز مساره الإبداعي وتؤكد أن الإنسان هو محور الكون في فنّه.
يظل المتحف شاهدًا حيًا على تاريخ الإسكندرية الفني وتفاعلها مع الحركة الثقافية المصرية، حيث يجمع بين مقتنيات محلية وعالمية ويقدم نموذجًا حيًا لجهود بناء مؤسسات ثقافية راسخة في المدينة، تجمع بين التراث والحداثة وتواصل الحكاية الفنية عبر أجيال متلاحقة.