انفراد.. صموئيل العشاي يكشف ويحّلل الخطة الكاملة لترامب لإنهاء حرب غزة

أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب طرح ملف غزة إلى الواجهة بخطة من 21 نقطة، تحمل مزيجاً من البنود الإنسانية والاقتصادية، إلى جانب اشتراطات أمنية وسياسية مثيرة للجدل. الخطة التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها تسعى إلى إنهاء الحرب وإعادة الإعمار، تكشف عند التدقيق عن توجه استراتيجي لإعادة صياغة المشهد في القطاع، بدءاً من نزع سلاح حماس ومنعها من الحكم، مروراً بإدارة دولية انتقالية، وصولاً إلى وعود غامضة بدولة فلسطينية مستقبلية. وبين طموحات الفلسطينيين في رفع الحصار وبناء اقتصاد مستدام، وهواجس إسرائيل الأمنية، تقف الخطة عند مفترق حساس قد يحدد شكل غزة في العقود المقبلة.

1- جعل غزة منطقة خالية من “التطرف والإرهاب”.

هذا البند يضع الأساس الأمني للخطة كلها، حيث يهدف إلى ضمان أن غزة لن تكون مصدر تهديد لإسرائيل أو لدول الجوار. غير أن المصطلح غامض وفضفاض، فبينما قد يُفهم على أنه استهداف للتنظيمات التي تمارس العنف ضد المدنيين، يمكن أن يُستخدم أيضاً لتجريم أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. وبالتالي، فإن تنفيذه قد يؤدي إلى إعادة تعريف شامل لمشهد غزة السياسي والعسكري، بما يثير مخاوف الفلسطينيين من أن تتحول مدينتهم إلى منطقة “منزوعة السياسة”.

2- إعادة إعمار غزة.

إعادة الإعمار بند إنساني لا خلاف على ضرورته، خاصة أن القطاع تعرض لدمار واسع في البنية التحتية والمساكن والمرافق. لكن السؤال المحوري: من سيمول؟ ومن سينفذ؟ هل ستكون هناك شروط سياسية مرتبطة بالمساعدات؟ التجارب السابقة أظهرت أن إعادة الإعمار غالباً ما تعطلت بسبب التدخلات الإسرائيلية والقيود على دخول المواد. ومن ثم، يبقى هذا البند رهيناً بآليات التنفيذ ومدى الالتزام الدولي بتمويله دون قيود.

3- وقف الحرب والانسحاب التدريجي.

يُنظر إلى وقف الحرب باعتباره أولوية إنسانية ملحة. لكن إدراج عبارة “انسحاب تدريجي” قد يجعل التطبيق عملياً طويلاً ومعقداً، إذ يمنح إسرائيل مساحة للتحكم في وتيرة الانسحاب وربطه بمتغيرات أمنية. هذا يعني أن الحرب قد تتوقف عسكرياً، لكن بقاء الجيش الإسرائيلي في بعض المناطق قد يُبقي حالة “شبه الاحتلال” قائمة لفترة غير محددة.

4- إعادة الرهائن خلال 48 ساعة.

هذا البند يمنح أولوية مطلقة لإسرائيل باستعادة مواطنيها بسرعة. التوقيت الزمني (48 ساعة) يوضح حجم الضغوط السياسية والدولية لإنجاز هذا الملف. ورغم أن هذا البند يصب أساساً في مصلحة إسرائيل، فإنه يفتح المجال لخطوات متبادلة لاحقة مثل إطلاق الأسرى الفلسطينيين، ما قد يُستخدم كخطوة لبناء الثقة.

5- إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين.

يتضمن الإفراج عن مئات المحكومين بالمؤبد وأكثر من ألف معتقل منذ بداية الحرب، إضافة إلى تسليم جثامين الفلسطينيين. هذه الخطوة تعطي انطباعاً بالمرونة وتخفف من الاحتقان، لكنها تظل محدودة إذا ما قورنت بعدد الأسرى في السجون الإسرائيلية والذي يتجاوز سبعة آلاف. لذلك قد يُنظر إليها كبادرة جزئية أكثر من كونها حلاً جذرياً.

6- عفو مشروط لعناصر حماس.

يُطرح هذا البند كآلية لتفكيك الحركة عسكرياً وتنظيمياً عبر استيعاب أفرادها أو السماح لهم بالمغادرة. لكن عملياً، هو يعكس محاولة لإقصاء حماس من أي مستقبل سياسي في غزة. هذا قد يحظى بقبول لدى الأطراف الدولية وإسرائيل، غير أنه يثير جدلاً داخلياً فلسطينياً، إذ يُنظر إليه على أنه استبعاد لقوة موجودة على الأرض وقاعدة اجتماعية واسعة.

7- تدفق المساعدات الإنسانية (600 شاحنة يومياً).

الرقم كبير ويمثل قفزة نوعية في حجم المساعدات التي تدخل القطاع مقارنة بالوضع الحالي. هذا قد يحسن الظروف المعيشية بسرعة، لكنه يعكس أيضاً اعتماداً مفرطاً على الإغاثة الخارجية بدلاً من تمكين الاقتصاد المحلي. ومع غياب ضمانات لفتح الأسواق أو دعم الإنتاج الداخلي، قد تظل غزة معتمدة على الشاحنات القادمة من الخارج.

8- توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر.

هنا يظهر توجه نحو الشفافية الدولية وتجنب اتهامات بتحويل المساعدات لأغراض عسكرية. لكن هذا الترتيب يحد من دور المؤسسات الفلسطينية المحلية، وكأنه يضع إدارة الأزمة بالكامل بيد أطراف دولية. ما قد يُفهم بأنه انتقاص من السيادة الفلسطينية ويجعل السكان أكثر خضوعاً لقرارات خارجية.

9- حكومة انتقالية من التكنوقراط بإشراف دولي.

الفكرة تسعى لإيجاد إدارة محلية مستقلة عن الفصائل، تكون قادرة على إدارة المرحلة دون اصطفاف سياسي. لكنها عملياً تعني أن القرار الحقيقي سيظل بيد هيئة دولية تقودها واشنطن. هذا قد يُفسر كضمانة للاستقرار، لكنه في المقابل قد يُنتقد باعتباره وصاية دولية على غزة.

10- خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة.

الجانب الاقتصادي عنصر جوهري في أي تسوية طويلة المدى. الخطة الاقتصادية المقترحة قد تشمل البنية التحتية، الطاقة، والمشاريع الإنتاجية. لكن التحدي الأكبر هو أن الاقتصاد لا يمكن أن ينهض في ظل حصار ومعابر مغلقة. أي نجاح لهذا البند يتطلب التزامات واضحة بفتح غزة على العالم وتسهيل حركتها التجارية.

11- منطقة اقتصادية بضرائب ورسوم منخفضة.

هذا البند يسعى لتحويل غزة إلى منطقة جذب للاستثمار الدولي، ربما على غرار “المناطق الحرة”. قد يجذب شركات ويوفر وظائف، لكنه في الوقت نفسه قد يجعل غزة سوقاً للعمالة الرخيصة تحت رحمة رأس المال الأجنبي. نجاحه يعتمد على ربطه بخطة تنموية وطنية لا أن يتحول إلى مشروع معزول يخدم أطرافاً خارجية.

12- منع التهجير القسري للفلسطينيين.

هذا البند يرد على المخاوف الكبيرة من سيناريوهات ترحيل جماعي نحو سيناء أو دول أخرى. وجود نص صريح يمنع التهجير يُعد مكسباً معنوياً للفلسطينيين. غير أن تطبيقه مرهون بوجود آلية رقابة دولية فعّالة، لأن التهجير قد يتم بطرق غير مباشرة عبر القصف والتجويع والضغط النفسي.

13- منع حماس من الحكم ونزع سلاحها.

هذا الشرط هو صلب الموقف الإسرائيلي، إذ لا تريد تل أبيب أي تسوية تُبقي حماس كفاعل سياسي أو عسكري. من زاوية دولية، يُنظر إلى ذلك كخطوة نحو “تثبيت الاستقرار”، لكن من زاوية فلسطينية، قد يُرى كإقصاء لفصيل رئيسي له وزن على الأرض. النتيجة المحتملة: استقرار هش قائم على تغييب طرف مهم.

14- ضمانات أمنية من دول إقليمية.

إشراك دول عربية كجزء من الضمانات الأمنية قد يمنح الخطة شرعية إقليمية أكبر. لكن هذه الدول قد تكون مترددة في تحمل عبء أمني مباشر على حدود غزة، خاصة إذا كان يُنظر إليه كخدمة لأمن إسرائيل أكثر من كونه حماية للفلسطينيين. ما قد يجعل هذه الضمانات نظرية أكثر من كونها عملية.

15- قوة استقرار دولية بقيادة أميركية وعربية.

وجود قوات أجنبية على الأرض قد يضمن ضبط الأمن ومنع عودة الفوضى. لكن هذه الفكرة ليست بلا سوابق: تجارب قوات حفظ السلام الدولية أظهرت أنها قد تتحول إلى طرف مثير للجدل. في غزة، حيث الحساسية تجاه أي وجود أجنبي كبيرة، قد يثير ذلك اعتراضات شعبية ما لم يُدار بحذر شديد.

16- انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي.

الانسحاب مطلب فلسطيني مركزي. لكن صياغة “تدريجي” تُثير الشكوك، لأنها تتيح لإسرائيل التحكم في الإيقاع وربط الانسحاب بتحقيق شروط أمنية أو سياسية. الخطر هنا أن يتحول الانسحاب التدريجي إلى بقاء طويل بغطاء تفاوضي. ما لم تُحدد آجال زمنية واضحة، قد لا يتحقق الانسحاب الكامل.

17- تنفيذ جزئي للخطة في حال رفض حماس.

هذا البند يوضح أن الخطة لا تريد أن تمنح حماس حق النقض (الفيتو). لكنه يعني عملياً أن الخطة يمكن أن تُطبق بشكل منقوص أو مجتزأ. هذا قد يؤدي إلى انقسام داخلي جديد، إذ قد تجد غزة نفسها منقسمة بين جزء منخرط في الخطة وجزء آخر خارجها، مما يُبقي الأزمة مستمرة.

18- التزام إسرائيل بعدم شن ضربات في قطر.

هذا بند سياسي بالأساس، يستهدف طمأنة قطر التي تلعب دوراً محورياً كوسيط وممول. أهميته تكمن في الحفاظ على مسار الوساطة، لكن بالنسبة للفلسطينيين، تأثيره المباشر شبه معدوم، إذ لا يرتبط بحياتهم اليومية.

19- برامج لتفكيك الفكر المتطرف.

هذا الجانب يعكس اهتماماً بمعالجة البعد الفكري والثقافي للنزاع. يشمل التعليم والإعلام والخطاب الديني. لكن حساسيته تكمن في أن أي تدخل خارجي في مناهج التعليم أو الخطاب الثقافي قد يُعتبر مساساً بالهوية الوطنية. نجاحه يتطلب صياغة دقيقة لا تُثير شكوك الفلسطينيين حول النوايا.

20- فتح مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية.

هذا البند يمثل “الجائزة الكبرى” في الخطاب السياسي للخطة. لكن صياغته فضفاضة وغامضة، بلا جدول زمني أو ضمانات ملموسة. التجربة الفلسطينية مليئة بوعود مماثلة لم تتحقق منذ أوسلو، مما يجعل هذا البند عرضة للتشكيك في جديته.

21- إطلاق حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين.

ختام الخطة بمسار سياسي يعكس محاولة لإعطائها بعداً استراتيجياً. لكن الحوار في حد ذاته ليس ضمانة. نجاحه يتوقف على استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية، وعلى قدرة الفلسطينيين على التفاوض من موقف موحد. من دون ضغط دولي فعال، قد يتحول الحوار إلى مجرد جولات شكلية جديدة.

الرساله العامه

الخطة تحمل بنوداً إنسانية واقتصادية يمكن أن تخفف معاناة غزة، لكنها في جوهرها تركز على تفكيك قوة حماس وإعادة صياغة الوضع الأمني تحت إشراف دولي وإقليمي. بينما يظل بند “الدولة الفلسطينية” موجوداً كعنوان، إلا أنه يفتقر إلى التفاصيل والضمانات. النتيجة أن الخطة تبدو أقرب إلى إدارة أزمة طويلة المدى، لا إلى حل سياسي شامل للصراع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى