رأفت الهجان.. أسطورة مصرية هزمت العدو من قلبه

حين تفتح صفحات التاريخ، لا تقرأ سطورًا عادية، بل تسمع نبض أمة، وتستشعر أنفاس رجال اختاروا أن يعيشوا في الظل ليبقى الوطن في النور.
ومن بين هؤلاء العمالقة، يسطع اسم رفعت علي سليمان الجمال، الشهير باسم رأفت الهجان… رجل لم يكن مجرد عميل سري، بل كان رمزًا للدهاء المصري، وجدارًا من فولاذ يصد العواصف، وصوتًا صامتًا يحمي مصر من قلب الخطر.
رأفت الهجان لم يُولد بطلًا في لحظة عابرة، بل صُنع ببطء من نار التجربة، ومن برد الوحدة، ومن صلابة اليقين. عُرف بين أعدائه كرجل أعمال ناجح، بينما كان في الحقيقة عين مصر التي لا تنام. عاش بينهم لا كضيف عابر، بل كواحدٍ منهم، يأكل مما يأكلون، ويجالسهم على موائدهم، لكن قلبه كان معلقًا بأرض النيل، يردد في سره كل صباح: “أنا مصري، ولن أسمح أن يُمس وطني بسوء”.
لم يكن بطلاً يحمل سلاحًا ظاهرًا أو يطلق الرصاص في ساحات القتال، بل كان عقلاً متقدًا يعرف أن رصاصة واحدة قد تسقط رجلاً، لكن معلومة دقيقة قد تحمي وطناً. أتقن فنون الإقناع والتمويه، فصار بينهم ثقة ومرجعًا، وهو في الحقيقة يبني حول مصر حصنًا غير مرئي من اليقظة والدهاء والصبر. كان حضوره في عمق العدو يشبه العاصفة الصامتة التي لا تُرى ولكنها تغيّر الموازين.
لقد كانت رسالته أعظم من مجرد جمع معلومات؛ كانت رسالته أن يزرع الشك في قلوب الأعداء، وأن يجعلهم يحسبون ألف حساب قبل أن يتخذوا قرارًا يمس مصر. لم يكن مجرد ناقل للأسرار، بل كان جزءًا من معركة عقول تُدار في الخفاء، حيث الكلمة أخطر من الرصاصة، والقرار أثمن من جيش كامل.
الهجان علمنا أن البطولة الحقيقية ليست صخبًا ولا شعارات تُرفع في الميادين، بل صمتٌ عميق خلف الأبواب المغلقة، وعمل دؤوب ينسج ببطء خيوط الأمان، ووفاء لا يتزعزع لوطنه حتى آخر لحظة. كان يعيش حياته اليومية بين خطرٍ دائم، يعرف أن أي خطأ مهما كان صغيرًا قد يعني النهاية، لكنه ظل ثابتًا، مبتسمًا، وكأن قدره أن يكون حارس مصر الخفي.
حين نذكر اسمه، لا نسترجع ماضيًا من الذكريات، بل نقرأ درسًا خالدًا للأجيال: أن حماية الوطن تبدأ بالعقل، وتستمر بالإخلاص، وتُخلّد بالتضحيات. رأفت الهجان لم يكن شخصًا عاديًا؛ كان مصر كلها متجسدة في رجل واحد، حمل على كتفيه سرًا بحجم وطن، وخاطر بحياته كل يوم ليمنحنا نحن حياةً آمنة.
إنه الوجه المضيء لمعنى التضحية، والبرهان على أن مصر أنجبت رجالًا لا يركعون إلا لله، رجالاً اختاروا أن يكتبوا أسماءهم في سجل الخلود لا بالحبر، بل بالوفاء والدم والصبر