55 عامًا على رحيله: إنجازات خلدت اسم الزعيم جمال عبد الناصر في الذاكرة الوطنية والعربية

يُعد جمال عبد الناصر واحدًا من أبرز القادة في تاريخ مصر، ليس مجرد رئيس عابر بل رمز لمرحلة كاملة ارتبطت فيها الوحدة والكرامة الوطنية بصوت جماهيري امتد من القاهرة إلى أوسع العالم العربي. خرج من صفوف البسطاء ليحمل آمالهم ويقود حركة تغيّرت بها ملامح التاريخ، فظل اسمه موضع احترام وتقدير كرمز للتحدي والإرادة، مؤمنًا بأن العدالة الاجتماعية حق لكل مصري وعربي.
نشأته ونشأته المبكرة
ولد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المري في 15 يناير 1918 في الإسكندرية، لأب صعيدي عمل وكيلًا لبريد باكوس وأم من ملوي بالمنيا. كان أول أبناء والديه، وتزوج والده من والدته وهو في المنزل ذاته، ما أثر في حياته العائلية التي تميزت بنسج عربي أصيل. انتقلت العائلة مع مرور الوقت بين مدن صعيدية ووادي النيل بسبب عمل الوالد، ما أتاح لناصر قراءة مبكرة للواقع الاجتماعي والاقتصادي في مصر.
التعليم وبداية النضج السياسي
بدأ ناصر تعليمه في الإسكندرية ثم انتقل تدريجيًا إلى القاهرة، حيث التحق بمدرسة النحاسين الابتدائية ثم ابتدائية في الجمالية. عاش طفولة حافلة بالتقلبات والانتقالات العائلية، وتوثقت صلته بالوطن من خلال مشاهداته للمظاهرات والاحتجاجات التي كانت تندلع ضد الاستعمار والفساد. في أواخر شبابه، واجه رفض دخول الكلية الحربية جراء مشاركاته الاحتجاجية، فالتف حوله الحاجز الدراسي ليلتحق بكلية الحقوق ثم يعاود المحاولة لينضم في نهاية المطاف إلى الكلية العسكرية عام 1937. خلال المدرسة العسكرية التقى بزملاء حاسمين مثل عبد الحكيم عامر وأنور السادات، وهما فيما بعد أكانا من أبرز مساعديه، وتخرج في يوليو 1937 وهو في رتبة ملازم ثانٍ في سلاح المشاة.
ثورة 1952 ومسار التغيير
قاد عبد الناصر مع مجموعة الضباط الأحرار ثورة 23 يوليو 1952 التي أسقطت الملكية وأعلنت نهاية حقبة الاستعمار البريطاني وميلاد الجمهورية. أصبح بسرعة رمزًا لقيادة الثورة وكلمتها العليا في مرحلة التحول الوطني. تلت ذلك خطوات عملية في اتجاه العدالة الاجتماعية وتأسيس دولة حديثة، منها إقرار إصلاحات واسعة في الأراضي وتحديد الملكية الزراعية وتوزيع الأرض على الفلاحين، بما يعيد التوازن الاجتماعي ويقلل من الفوارق الطبقية.
إنجازات اقتصادية واجتماعية كبرى
جهد عبد الناصر في التعليم كان من أبرز محطاته: جعل التعليم مجانيًا على اختلاف درجاته، وتوسيع الولوج إلى الجامعات ليشمل أبناء الفقراء، ما أسهم في تكوين جيل جديد من الكوادر العلمية والمهنية. في المجال الصناعي والمشروعات القومية أنشأ قاعدة صناعية وطنية راسية، وأسس مصانع كبرى، وطور قطاع الكهرباء من خلال مشروعات كبرى مثل السد العالي، الذي وفر الطاقة وأدار مخاطر الفيضان والجفاف. سعى أيضًا إلى تقليص الفجوة الاجتماعية عبر سياسات محدّدة في الأجور والدعم للسلع الأساسية.
التوجه العربي والوحدة القومية
رفع عبد الناصر شعار الوحدة العربية كسبيل لاستعادة القوة والكرامة، فكانت محاولاته نحو تحقيق الوحدة واقتراح الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في 1958 محورًا رئيسيًا لسياساته، رغم أن هذه الوحدة لم تستمر طويلًا لكنها تركت أثرًا عميقًا في الوعي العربي كحلم قومي. دعم حركات التحرر في العالم العربي، وأقام علاقات قوية مع حركات الجزائر واليمن وفلسطين، واعتبر فلسطين القضية المركزية للأمة. كما لعب دورًا مركزيًا في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 خلال القمة العربية في القاهرة، لتكون كيانًا رسميًا يمثل الشعب الفلسطيني على الصعيدين الإقليمي والدولي.
قضية فلسطين وموقفه من الاحتلال
كان عبد الناصر يعتبر فلسطين قضية العرب المركزية، وربط مصير الأمة بمصيرها. واجه إسرائيل وحلفاءها بمواقف حازمة، مؤكدًا أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. وتواصلت مواقفه الداعمة لشعوب المقاومة في الجزائر وفلسطين واليمن، إضافة إلى دعمها القوي لحركات التحرر في أنحاء العالم العربي.
استقالة ثم عودة ثم استكمال المسيرة
بعد أزمة تتعلق بقيادة البلاد خلال فترات التوترات، أبدى بعض الانعطاف السياسي استقالة أعلنها في حينها، لكن الملايين خرجت إلى الشوارع رافضةً رحيله، فاستمر في قيادة مصر حتى وفاته، مع إصرار جماهيري قوي على استمراره في تجسيد مشروعه الوطني.
حرب الاستنزاف وأثرها
خلال فترته، أطلق صراعًا طويلًا مع إسرائيل، عرف بحرب الاستنزاف التي هدفت إلى إعادة الثقة للجيش والشعب وإبقاء جبهة مصر حاضرة ومؤثرة على المسرح الإقليمي. كان لهذا المسار أثره في تعزيز الروح القتالية والتماسك الداخلي، وفتح آفاق لاحقة لصعود القوة العربية في مسارها نحو الانتصار العسكري والسياسي، بما مهد لاحقًا لمرحلة جديدة من التوازن الإقليمي رغم التحديات التي واجهت الأمة.
وفاة وذكرى
توفي جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 عن عمر يناهز 52 عامًا بعد أن قاد صراعات وتقلبات جسام في بلد يعاني من صراعات إقليمية ودولية. تركت جنازته ملايين المصريين والعرب في وداع تاريخي، وظل اسمُه محفورًا في ذاكرة الأمة كقائد سياسي واجتماعي بَرمَز للعدالة والكرامة والكرامة الوطنية.
هذا المسار يعكس حتمية ارتباط مصير مصر والعالم العربي بمحطة عبد الناصر، كقائد آمن بأن التغيير الإيجابي ممكن حين تتوحد الإرادة الشعبية مع رؤية واضحة لمستقبل البلد.