من ثورة ضد المحتل إلى مطاردة الاستعمار: جمال عبد الناصر سيرة قائد ملهم تجاوزت حدود الوطن

يصادف اليوم 28 سبتمبر الذكرى الخامسة والخمسون لرحيل جمال عبد الناصر، الزعيم الذي قاد ثورة 23 يوليو 1952 وأسهم بشكل بارز في استقلال مصر وتحرر الدول العربية والإسلامية خلال القرن العشرين.

وُلد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 بالإسكندرية، وتعود جذوره إلى قرية بني مر بمحافظة أسيوط في صعيد مصر. توفيت والدته وهو في سنّ مبكر، فتولى عمه دعمه في طريقه إلى الدراسة ثم انتقل إلى الإسكندرية حيث عمل والدُه في إدارة البريد. في عام 1933 استقر نهائيًا في القاهرة في وقت كانت فيه الأوضاع السياسية مضطربة بسبب الاحتلال البريطاني.

بعد إتمامه الثانوية في 1936 قرر الانخراط في الأكاديمية العسكرية التي باتت مفتوحة أمام أبناء الطبقة الوسطى منذ ذلك العام، بما شكل تحولًا في فرص التعليم العسكري. تخرج من الأكاديمية عام 1938 بدرجة ملازم ثانٍ، وعُين في أسيوط ثم في السودان لمدة عامين، وهو الوقت الذي ظل فيه حريصًا على متابعة التطورات السياسية في مصر، خصوصًا مع تزايد النفوذ البريطاني وتداعياته على القيادة الوطنية.

عُين عبد الناصر أستاذًا في الأكاديمية العسكرية عام 1943، وانضم إلى مدرسة الحرب عام 1946. شكّلت القضية الفلسطينية وعيه السياسي بشكل عميق، فرفع شعار «قضية العرب المركزية» ورأى أن دعم القضية الفلسطينية من دواعي توحيد الصف العربي وتعزيز إرادة الشعوب في التحرر.

أسس الزعيم تنظيم الضباط الأحرار السري، الذي ركّز على تحرير مصر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال. كان التنظيم يتألف من لجان متخصصة هي: الشؤون المالية، ومجموعات الصدام، الأمن، الدعاية، والسلاح. بعد حرب 1948 أطلق التنظيم حركة لإسقاط الحكم الملكي وإعلان الجمهورية في 23 يوليو 1952.

ثورة 1952 لم تكن مجرد تغيير في شكل الحكم، بل كانت نقطة انطلاق لإعادة رسم السياسة الخارجية المصرية. وضع ناصر رؤية توازن مع القوى الكبرى، لا سيما الاتحاد السوفيتي، ودعم الأشقاء في الجزائر ماديًا وعسكريًا، كما أسهم في إطلاق مؤتمر القمة الخاص بمؤتمر حركة عدم الانحياز في نوفمبر 1964، ومهد لتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964. كانت روح الثورة حاضرة في صفوف حركات التحرر الوطني في العالم العربي والإسلامي، وأكدت فلسفته على إرادة الشعوب ودورها الأساسي في إنهاء الاستعمار.

فلسفة الثورة كما عرضها عبد الناصر في كتابه تشكّل الأساس لسياسة مصر الخارجية الحديثة، مقسّمًا إلى ثلاث دوائر رئيسية: العربية، الإفريقية، والإسلامية. في الدائرة العربية أولى اهتمامًا خاصًا بالأمن القومي العربي، معتبرًا أن أي تهديد لأي بلد عربي هو تهديد للجميع، ورأى في النفط العربي مورد قوة رئيسي يمكن أن يسهم في السياسة الدولية.

وأشار الدكتور مصطفى الفقي إلى أن فترة حكم عبد الناصر حملت سمات توازن طبقي وإحساسًا بالاستقرار العام، مع إسهام داخلي واسع في الصناعة الوطنية وتطوير الإنتاج العسكري والصناعي، بدءًا من الصناعات الثقيلة وصولاً إلى منتجات استهلاكية كمصانع السلع الأساسية. كما أشار إلى أن ناصر كان يمتلك قدرة على النقد الذاتي والتقييم الواقعي خلال سنواته، واعترافه بالأخطاء مع وضع رؤية مستقبلية، وهو إرث يُنظر إليه كمرجعية راسخة في تاريخ السياسة المصرية.

ترك عبد الناصر إرثًا سياسيًا وفكريًا عميقًا في العالم العربي والإسلامي، وظل اسمه رمزًا للوحدة والحرية وتطلّعات الشعوب إلى الاستقلال والتحرر من الاستعمار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى