صموئيل العشاي يروي حكايات الوحدة الوطنية من مسجد ميت غزال

هناك حكايات صغيرة، لكنها تفتح أمامنا أبوابًا واسعة على معانٍ عميقة؛ معانٍ تصنع روح الوطن وتبني الجسور بين الناس. الوحدة الوطنية ليست شعارات تُكتب على جدران، ولا كلمات تُلقى في خطب المناسبات، بل هي تلك التفاصيل اليومية التي نلمسها في وجوه الناس، في المواقف التي يختلط فيها العطاء بالمحبة، وفي اللحظات التي تمتد فيها الأيادي لتخدم الناس وبيوت الله بلا تفرقة ولا انتظار لمقابل.
ومن بين هذه الحكايات القريبة إلى قلبي، قصة مسجد ميت غزال بالغربية. منذ سنوات طويلة، كنت أطرق أبواب أصدقائي من رموز وزارة الأوقاف، ليس طلبًا لمصلحة شخصية، بل من أجل خدمة بيوت الله، التي تظل دائمًا عامرة بمن يقيم فيها الصلاة ويدعو بالخير لمصر وأهلها. كنت أجد فيهم أخوة حقيقية قبل أن يكونوا مسؤولين؛ فالشيخ جابر طايع – وكيل أول الوزارة السابق ورئيس القطاع الديني – كان نموذجًا للرجل الذي لا يتأخر عن طلب يخدم المساجد أو الأئمة، يستقبلني بابتسامة محبة ويعاملني كأخٍ لا كصحفي عابر. وبعده جاء الشيخ الدكتور نوح العيسوي – وكيل وزارة الأوقاف ومدير الاتصال السياسي بالوزارة – ليكمل هذا النهج، فيسير على خطى من سبقه، بروح منفتحة وقلب واسع، فتأتي الموافقات سريعًا، وكأنها رسائل محبة من السماء.
وذات يوم، جاءني الصديق محمد العربي، يحمل في صوته إلحاحًا صادقًا وهو يحكي عن سعيه لفرش مسجد في قرية ميت غزال. رفعت الطلب، وكان الشيخ الدكتور نوح العيسوي – وقد نُقل للعمل بالغربية للاستفادة بخبراته الكبيرة – هو المعني بالأمر. نشرت الطلب في جروب الشركة الذي يضم وزارة الأوقاف والصحفيين، فإذا بزميلي الصحفي إسماعيل رفعت، مسؤول الملف الديني في اليوم السابع، يتصل بي ضاحكًا:
– “هو دا المسجد رقم كام اللي بتفرشه يا عشاي؟”
أجبته مازحًا: “يمكن 170 أو 171.”
فابتسم بفخر وقال: “دا مش أي مسجد… دا مسجد بلد القارئ الشهير مصطفى اسماعيل، قارئ الملوك والأمراء… ميت غزال مش قرية عادية.”
في تلك اللحظة شعرت أن الأمر أكبر من مجرد طلب إداري أو إجراء روتيني. كان امتدادًا لقصة من قصص الوحدة الوطنية التي نعيشها في تفاصيل حياتنا. أن تسهم، ولو بخطوة صغيرة، في خدمة بيتٍ من بيوت الله في قرية أنجبت قارئًا عالميًا، يعني أن الخير لا يعرف حدودًا، وأن العطاء لا يقف عند انتماء أو دين، بل يسكن في قلب كل من أراد وجه الله ووجه الوطن.
بعد أيام قليلة، التقيت الدكتور أسامة الأزهري – وزير الأوقاف الحالي – في نقابة الصحفيين، وحدّثته عن الطلب المتأخر. ابتسم بثقة وأكد أنه يولي ملف فرش المساجد عناية خاصة. ولم تمر إلا أيام حتى جاءني اتصال من الشيخ هشام عبد العزيز، وكيل وزارة الأوقاف للاتصال السياسي والمسؤول عن فرش المساجد، ليبشرني بانتهاء الإجراءات، ويرسل لي صورة من القرار. لم تكن فرحتي فقط لأن المسجد سيُفرش، بل لأنني شعرت أنني وضعت لبنة صغيرة في جدارٍ كبير اسمه الوحدة الوطنية. جدار نحتمي به جميعًا، ونعلن من خلاله للعالم أن مصر تبقى قوية بحب أبنائها لبعضهم، وبسعيهم المشترك لخدمة بيوت الله والوطن معًا.
وها أنا، بعد أن اجتزت بين السطور ضجيج الأحداث، أجد أن ما يبقى في الذاكرة ليس القرارات ولا المكاتبات، بل تلك اللحظة الإنسانية البسيطة التي صنعت فرقًا في داخلي: يوم دخل محمد العربي عليّ، يحمل علبة حلاوة المولد، ويقول بخجلٍ صادق: “هذه لابنتيك مريم وميرا”.
هدية صغيرة في ظاهرها، لكنها صنعت داخلي مساحة دفء وسط عواصف الحياة، وأيقظت يقينًا أن هناك دائمًا من خُلق ليكون بلسمًا لا شوكة، نورًا لا عبئًا. في النهاية، الحياة ليست فقط ما نرصده في الأخبار أو نكتبه في المقالات، بل أيضًا ما نلمحه في بسمةٍ صافية، أو دعاءٍ مخلص، أو قطعة حلوى تُعيد للروح طعم الطمأنينة.
وكل عام، وأنتم بخير… وحلاوة أيامكم لا تنقطع.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى