أسقف علي خط النار في حرب أكتوبر

الأنبا لوكاس (إسحق عطالله جرجس).. من جندي مقاتل إلى أسقف وراعٍ
في ذاكرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أسماء لامعة امتزج فيها الإيمان بالوطنية، والروحانية بخبرة الحياة العملية، ومن بينهم نيافة الأنبا لوكاس أسقف أبنوب والفتح وأسيوط الجديدة، الذي حمل في قلبه دائمًا ذكرى مجيدة من تاريخ مصر: مشاركته جنديًا مقاتلًا في حرب أكتوبر 1973. وُلد باسم إسحق عطالله جرجس في مدينة طهطا يوم 5 نوفمبر 1949، ونشأ كغيره من أبناء جيله في فترة كانت مصر تخوض معارك وجودية. بعد أن حصل على دبلوم التجارة عام 1967، استُدعي لأداء الخدمة العسكرية، فارتدى بدلة الجندية ليخدم في سلاح الدفاع الجوي ضمن الجيش الثالث الميداني، وكانت الخدمة العسكرية بالنسبة له محطة مهمة في التكوين الشخصي والروحي، فقد انفتح قلبه على معنى العطاء بلا مقابل، والتضحية حتى آخر لحظة من أجل تراب الوطن.
حين اندلعت حرب أكتوبر المجيدة، كان إسحق عطالله جنديًا على خطوط المواجهة، يؤدي واجبه ضمن قوات الدفاع الجوي التي لعبت دورًا مصيريًا في حماية القوات العابرة للقناة وتأمين سماء سيناء. لم يكن سلاح الدفاع الجوي مجرد قوة مساندة، بل كان حائط الصد الصلب الذي حمى العبور من غارات الطيران الإسرائيلي، وهي المهمة التي ساهم فيها الأنبا لوكاس وقت أن كان شابًا في عز عطائه. وتُظهر الصور والوثائق التذكارية المنشورة لاحقًا صورًا له بالزي العسكري مثبتًا اسمه ورُتبة “جندي مقاتل”، وهي الذكرى التي لم تغب عن لسانه، إذ كان يردد بفخر أنه شارك في عبور القوات وأنه قبّل تراب سيناء بعد تحريرها.
انتهت فترة خدمته العسكرية، لكن تجربته لم تنتهِ داخل قلبه، فقد ظلّت مشاعر الانتماء والفداء حاضرة في وجدانه لتتحوّل لاحقًا إلى بذور حياة روحية. عام 1977 اتجه إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون ليبدأ طريق الرهبنة، وفي عام 1979 سيم كاهنًا، ثم رُسم قمصًا عام 1983، قبل أن يُختار أسقفًا. وكان واضحًا في شخصيته، كما يذكر المقربون، أن الانضباط الذي اكتسبه في الجيش انعكس على خدمته الكنسية، فجمع بين روح الجندية والإيمان، وبين الشجاعة والرعاية الأبوية.
الأنبا لوكاس لم يكن مجرد أسقف عاش للكنيسة، بل كان أيضًا جنديًا حمل السلاح دفاعًا عن أرض مصر. انتقل من خندق القتال إلى مذبح الصلاة، لكنه ظل يحمل في قلبه خبرة الوطن والفداء والانتماء، وقصته تذكير بأن رجال الكنيسة لم ينفصلوا عن قضايا الوطن، وأن بين جدران الأديرة وساحات المعارك خيطًا واحدًا يجمع بين المحبة والتضحية.
عاش كل من حمل مصر في قلبه ووجدانه فتصبح تسابيح الصلوات ودقات الأجراس وأصوات الدعاء ومآذن المساجد تنيض بحب وطن نحمله في كل ذؤات أجسادنا.