الكنيسة تودع القمص عبد المسيح بسيط اشهر باحث كنسي تاريخي

ودّعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صباح اليوم أحد أعلامها وباحثيها الكبار، القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، وأحد أبرز المدافعين عن الإيمان الأرثوذكسي، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الروحي والعلمي، وعن عمر ناهز التاسعة والستين عامًا.

القمص عبد المسيح لم يكن مجرد كاهن يخدم على مذبح الكنيسة، بل كان علامة مضيئة في دروب التعليم اللاهوتي والدفاع العقيدي، وصوتًا عقلانيًا متزنًا وسط صخب الأسئلة والشكوك. كرّس حياته كلها للبحث والدراسة، ووقف سنوات عمره مدافعًا بالكلمة والقلم عن الإيمان المسيحي في وجه الهجمات الفكرية والمغرضين، فصار مرجعًا لا غنى عنه في اللاهوت الدفاعي والنقد الكتابي.

ولد الأب عبد المسيح بسيط في 15 ديسمبر 1955، وتخرج في كلية الآداب والتربية قسم اللغة الإنجليزية عام 1978، ثم أتم دراسته بقسم اليوناني واللاتيني عام 1983، والتحق بعدها بالكلية الإكليريكية عام 1984. لم يكن العلم عنده غاية، بل وسيلة لخدمة الإيمان وتثبيت النفوس، فأسس “معهد دراسات الكتاب المقدس” بشبرا الخيمة، ودرّس في عدد من المعاهد اللاهوتية، فخرج أجيالاً من الخدام والمعلمين.

ألف القمص عبد المسيح أكثر من 80 كتابًا في الدفاعيات وتفسير الكتاب المقدس وتاريخ العقيدة، وكان من أبرز مؤلفاته: “هل صلب المسيح حقيقة أم شُبّه لهم؟”، و*“مخطوطات العهد الجديد وتشويه المخطوطات”، و“لاهوت المسيح في الأناجيل الأربعة”*. لم يكن يقدم مجرد ردود، بل كان يقدم رؤية منهجية رصينة بلغة يفهمها المتخصص والعامة معًا.

لكن الجانب الإنساني في حياة هذا الأب الجليل لم يكن أقل عمقًا من علمه، فقد مرّ بتجارب قاسية، خاصة حين فقد نجله مايكل، وكان قد تحدّث قبلها في أحد لقاءاته بدموع صادقة عن معجزات السيدة العذراء مع ولديه من ذوي الاحتياجات الخاصة. جسّد الأب عبد المسيح المعنى الحقيقي للإيمان العامل بالمحبة والرجاء رغم الألم، فكان صوته هادئًا مطمئنًا حتى في عمق الحزن.

رحل القمص عبد المسيح بسيط بعدما أغنى المكتبة القبطية والعالم المسيحي بإرث ضخم من الفكر اللاهوتي والدفاعي، وترك وراءه تلاميذ ومحبين يحملون شعلة علمه وروحه.

تقيم الكنيسة صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر في كنيسة العذراء بمسطرد، وسط دموع أبنائه ومحبيه الذين يرون فيه ليس فقط أستاذًا ومعلمًا، بل أبًا حقيقيًا.

رحل الجسد، لكن الصوت الهادئ العاقل لا يزال يتردد في قلوب الباحثين عن الحق… وداعًا أيها المدافع النبيل، والراعي الأمين، والمعلم الذي لم يساوم يومًا على الحق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى