الفنان مراد مكرم يكتب : أحسنت يا طه

لا تربطني أي صلة صداقة أو معرفة بالفنان الشاب طه الدسوقي، لكن ما أثار ضيقي حقًا هو كم الهجوم الغريب والمبالغ فيه الذي تعرض له عقب مقدمته الافتتاحية في مهرجان الجونة السينمائي. هجوم لم يكن مجرد اختلاف في الرأي أو نقد فني موضوعي، بل بدا وكأنه حملة ممنهجة، فيها كثير من التجنّي، وكأن البعض ينتظر أي هفوة صغيرة ليحولها إلى معركة، فقط لأن طه تجرأ وقال ما يشعر به، بصدق وبساطة ومن غير تلوين.

طه لم يكذب، ولم يسعَ إلى استفزاز أحد، بل قال وجهة نظره الصريحة، رؤية فنان شاب عاش التجربة من داخلها، لا من مقاعد المتفرجين. هو لم يلقِ خطابًا دبلوماسيًا منمقًا ليُرضي الجميع، بل عبّر عن هموم جيله ومشاعر الممثلين الشباب الذين يسعون كل يوم لإثبات أنفسهم وسط منافسة صعبة وعالم لا يرحم.

طه لم يهبط على الساحة الفنية من فراغ، بل بدأ من الصفر حقًا، من على خشبات صغيرة في عروض “الستاند أب كوميدي”، حيث لا مجاملات ولا تزويق، بل مواجهة مباشرة مع الجمهور. هناك تمرّس على الارتجال، وتعلّم التفاعل مع الناس، وصقل أدواته خطوة بخطوة. لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل بالعرق والاجتهاد والتعب. كثيرون بدأوا من نفس النقطة، وربما كانوا أكثر شهرة في مجال الكوميديا، لكنهم لم يعرفوا كيف يعبرون إلى التمثيل، لأن الموهبة الحقيقية لا تكفي وحدها إن لم تُدعَم بالمثابرة والتطور.

طه عافر واجتهد وبحث عن الفرصة، وحين جاءت، لم يفرّط فيها، بل درس وتدرّب وذاكر وأجاد. في أدواره المتنوعة — من شخصية “المحامي” إلى “أولاد الشمس” وغيرها — أثبت أنه ممثل يمتلك حسًا فنيًا راقيًا، وأنه “معجون فنًا” كما يقال في الوسط. لم يأتِ أحد ليجامله أو يفرضه على الشاشة، بل فرض نفسه بموهبته الخالصة.

ثم جاءت مقدمته في افتتاح مهرجان الجونة لتؤكد تلك الموهبة. تحدث بصدق وعفوية وتلقائية، بعيدًا عن التصنع أو الخطابات الجاهزة. كلماته لم تكن مجرد فقرات مكتوبة، بل نبض فنان حقيقي يشعر بمعاناة زملائه، ويدرك معنى أن تحلم وتنتظر وتكافح. تحدث بخفة ظل محببة، وبروح تلقى قبولًا من الناس قبل النقاد.

صحيح أن بعض الوجوه في القاعة لم تبتسم، وهؤلاء هم الذين اختارت الكاميرات أن تركز عليهم، فبدوا وكأنهم جمهور غاضب أو غير متقبل، بينما الحقيقة أن مئات الحاضرين ضحكوا وتفاعلوا، وملايين أمام الشاشات شعروا بالدفء والبساطة التي خرجت من روحه. لم يكن طه يمثل أو يتصنع، بل كان “هو” بكل عفويته، وهذه أعظم درجات الصدق الفني.

يا طه، لا تحزن، ولا تدع كلمات العابرين تهز ثقتك. النجاح لا يولد من التصفيق وحده، بل من القدرة على الاستمرار وسط العواصف. هناك من لا يحب أن يرى موهبة حقيقية تلمع دون دعم أو ضوءٍ زائف، وهناك من يضايقه أن ينجح شخص فقط لأنه اجتهد. لكن الزمن منصف، والفن لا يرحم الزيف.

استمر كما أنت — صادقًا، بسيطًا، مضيئًا — لا تغيّر لهجتك ولا تخفف من حضورك. الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تبرير، والقبول لا يُشترى ولا يُخطط له، بل يُوهب لمن يستحقه.

أحسنت يا طه… لأنك كنت نفسك، ولأنك قلت ما يعجز كثيرون عن قوله وهم يرتدون أقنعة الرضا المصطنع.

استمر، فكل خطوة صادقة هي جائزة في حد ذاتها، وكل كلمة من قلبك تصل أبعد مما تتخيل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى