مركز معلومات الوزراء يستعرض أبرز 18 صناعة صاعدة ودورها في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي

يتناول التقرير الذي أصدَره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بناءً على منصة بروجيكت سنديكيت التحولات الجذرية التي تشهدها الاقتصادات العالمية بفعل صعود 18 صناعة جديدة، من بينها الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والمركبات الكهربائية، والتكنولوجيا الحيوية، والبناء المعياري، وما تتيحه هذه الصناعات من فرص للنمو والإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة. كما يبرز ضرورة أن تسعى الدول النامية إلى تهيئة بيئات أعمال جاذبة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتنمية رأس المال البشري لمواكبة هذا التحول وتفادي التراجع في سباق الاقتصاد الرقمي العالمي.

يوضح التقرير أن الاقتصادات والمجتمعات حول العالم تشهد تحولات هائلة بفعل هذه الصناعات، وعلى رأسها المركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي التوليدي والبناء المعياري. ولاغتنام هذه الفرص، تدعو الدراسة الدول النامية إلى توفير بيئة أعمال جاذبة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستثمار في رأس المال البشري. وتؤكد تقديرات معهد ماكينزي العالمي أن القطاعات الديناميكية الثمانية عشر ستعيد تشكيل الاقتصاد العالمي خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة.

تشمل المجالات المطروحة قطاعات رقمية مثل التجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والإعلانات الرقمية، والبث المباشر، والألعاب، إضافة إلى تقنيات متقدمة كالمركبات الكهربائية، والقيادة الذاتية، والبطاريات، وأشباه الموصلات، والروبوتات، والانشطار النووي. كما تتوسع في مجالات ناشئة مثل التكنولوجيا الحيوية والفضاء، وتطلّ ابتكارات جديدة مثل الأمن السيبراني، والطيران، والبناء المعياري، وأدوية السمنة.

ومن المتوقع أن تمثل هذه القطاعات مجتمعة نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، أي أربعة أضعاف حصتها الراهنة، وهو ما يعزز النمو والإنتاجية ومستويات المعيشة عالميًا.

تُظهر الأمثلة التطبيقية لهذه الابتكارات قدرتها على إحداث أثر اجتماعي واقتصادي واسع. فالمركبات الكهربائية والقيادة الذاتية يمكن أن تخفضان حوادث الطرق والانبعاثات الغازية، في حين أن البناء المعياري يتيح إنتاج مساكن عالية الجودة بتكاليف أقل. وعلى الرغم من أن الشركات الرائدة في هذه المجالات تتوجّه أساسًا إلى الولايات المتحدة وأوروبا والصين، فإن تأثيرها سيمتد إلى جميع الدول، مع فرص للريادة في بعض القطاعات لدى الاقتصادات النامية.

كمثال عملي، مع توسع انتشار الإنترنت يتوقع أن تنمو التجارة الإلكترونية والإعلانات الرقمية والبث المباشر بوتيرة أسرع في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث لا ترتكز بنيتها التحتية على شبكات قديمة وتستطيع القفز مباشرة إلى التقنيات الحديثة، كما حدث عند التحول من الهاتف الأرضي إلى الهواتف المحمولة ثم إلى الخدمات المصرفية الرقمية. وتبرز الهند كنموذج واضح لهذا المسار، إذ ارتفعت إيرادات تجارتها الإلكترونية من 3.9 مليار دولار في 2009 إلى نحو 200 مليار دولار في 2024، مع توقع أن تصل حصة التجارة الإلكترونية إلى 37% من إجمالي المبيعات بحلول 2030. كما أن توسيع الوصول إلى الإنترنت في المناطق الريفية يوفر للملايين من السكان منتجات وخدمات أكثر كفاءة.

وللهند ميزات إضافية في رأس المال البشري، حيث تمتلك قاعدة واسعة من الكفاءات في مجالات الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية والأمن السيبراني، وبدلت قدرتها على الابتكار بتكاليف منخفضة في قطاعات متقدمة. وتعد الهند من أكبر منتجي المركبات الكهربائية، كما أُطلقت لها مركبة فضائية إلى المريخ عام 2013 بتكلفة منخفضة مقارنة بمثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يؤهلها للتوسع في تسعة من أصل 18 قطاعًا وتوليد عوائد إضافية تصل إلى تريليوني دولار بحلول 2030.

في المقابل، تسير دول نامية أخرى في مساراتها الخاصة. فالبرازيل تستثمر في الجيل الجديد من الطيران، بينما ظهرت المغرب وإندونيسيا كمراكز لتصنيع بطاريات المركبات الكهربائية بدعم من احتياطيات مهمة من المواد الخام الحيوية. وتساهم هذه القطاعات الجديدة في تنشيط صناعات تقليدية، حيث غيّرت الروبوتات والطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي وجه قطاعات التصنيع والتجزئة والرعاية الصحية.

على المستوى الاجتماعي، يمكن لهذه القطاعات تحسين الخدمات العامة، فمثلاً يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرات الحكومات على جمع وتحليل البيانات في مجالات مثل الطقس وحركة المرور والتعليم، بينما تساهم أدوية السمنة الحديثة في تحسين نتائج الصحة العامة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

غير أن غالبية الدول النامية لا تزال غير مستعدة للتعامل مع مستقبل تقوده هذه القطاعات. لذلك حدد التقرير ثلاث أولويات لتعزيز جاهزيتها: الأولى، خلق بيئة أعمال داعمة من خلال سياسات وتنظيمات كلية تُتيح مساحات للنمو للصناعات الحيوية مثل البناء المعياري عبر قوانين مرنة تشجّع الابتكار؛ الثانية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مع ملاحظة أن الحصة المهيمنة للشركات من الصين وأوروبا والولايات المتحدة ما زالت تتسع في هذه القطاعات، بينما انخفضت حصة الاستثمارات الأجنبية المعلنة للدول النامية منذ 2022 إلى نحو 30% في مجالات التصنيع المتقدم والبنى التحتية للذكاء الاصطناعي والخدمات البرمجية؛ والثالثة، والأهم، الاستثمار في البشر، فالتعليم والتدريب المتقدمان شرط أساسي للنمو المستدام في عصر تقود فيه التكنولوجيا التوسع الاقتصادي.

تشير الخلاصة إلى أن الدول التي تنمي قوى عاملة منتجة ومؤهلة ستكون الأكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام وازدهار طويل الأمد. وهذا ليس محصورًا في الاقتصادات النامية؛ فالمنافسة العالمية تجعل المخاطر عالية أيضًا أمام الأسواق الصاعدة التي تسعى إلى اللحاق. كما يرى التقرير أن صناعات وتقنيات جديدة كليًا قد تظهر مستقبلًا، كما حدث مع الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال بضعة سنوات فحسب، وأن تطور بعض القطاعات مثل الطاقة النووية والمركبات الكهربائية سيعتمد إلى حد كبير على السياسات الحكومية. ومع ذلك، من المرجّح أن تظل هذه المجالات محركًا رئيسيًا للنمو العالمي، مع مخاطرة تراجع الدول النامية إذا لم تواكب التحول.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى