من الحلم إلى الافتتاح: عشرون عامًا من البناء لتشييد أعظم متحف في التاريخ

يبرز هذا الصرح الثقافي كإجمال لجهد وطني امتد على عقود، ليكون واحدًا من أبرز منصات المعرفة العالمية ويعكس رؤية مصر في الجمع بين تراثها العريق وتطلّعها نحو المستقبل. يقع المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة بجوار أهراماتها، ليكون نقطة ربط بين عظمة الماضي وإشراقة الحاضر.
يهدف المشروع إلى استيعاب التطورات الهائلة في الاكتشافات الأثرية المصرية وتقديم تجربة متكاملة للزوار من مختلف أنحاء العالم. يشمل المتحف مساحات واسعة تصل إلى نحو 500 ألف متر مربع، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية فريدة امتدت عبر عصور ما قبل التاريخ حتى الفترة الرومانية. من بين ما يعرض بشكل خاص صالات متعددة تلبي تنوع المحتوى التاريخي وتوفر مساحات تعليمية وترفيهية مستدامة، منها متحف للأطفال ومركز تعليمي ومسرح سينمائي ومناطق تجارية وحدائق واسعة.
شهدت مراحل البناء افتتاحات تجريبية وأنشطة استرشادية امتدت عبر عقدين من الزمن، بدءًا من تهيئة الموقع في عام 2005، ووضع حجر الأساس بعد حوالي عشر سنوات على يد قيادة رئاسية سابقة، وصولاً إلى اكتمال مبنى المتحف في 2021 وبدء التشغيل التجريبي في أكتوبر 2024، مع انتظار الافتتاح الرسمي الكبير. كان من المقرر انطلاق الافتتاح الرسمي بتاريخ محدد في يوليو 2025، ثم جرى الإعلان عن تأجيله ليصبح الأول من نوفمبر بسبب التوترات الإقليمية وتأثيرات محيطة أخرى.
يُعد المتحف إضافة حيوية لحركة الاكتشافات الأثرية وتوثيق التاريخ المصري، ويحمل في طابعه عرضًا مميزًا لكنوز توت عنخ آمون التي ستعرض كاملة لأول مرة. كما يضم مجموعة استثنائية تقارب 5000 قطعة ذهبية اكتُشفت مع توت عنخ آمون، لتُعرض جميعها لأول مرة منذ اكتشاف مقبرة الفرعون عام 1922. وتتنوع قاعاته بين عروض تغطي فترات عميقة من الماضي وتقديم عرض موضوعي يواكب أساليب العرض الحديثة، مع وجود 12 صالة عرض رئيسية تنظم التاريخ المصري بطريقة زمنية ووظيفية واضحة.
تمهيدًا للوصول إلى هذه الصالات، يمر الزائر بسلم عريض تحيطه تماثيل ضخمة، ثم يتيح له إطلالة بانورامية على أهرامات الجيزة من خلال نوافذ تمتد من الأرض حتى السقف. وفي جولة مبكرة بدأ عرض تمثال رمسيس الثاني العملاق ضمن صالات رئيسية منذ 2023، وشهدت الفترة الأخيرة تشغيلًا تجريبيًا ومعظم قاعات العرض الرئيسية مفتوحة للمشاهدة باستثناء بعض المعروضات الكبرى مثل كنوز توت عنخ آمون والقوارب الشمسية. القوارب الملكية القديمة التي عُرضت سابقًا قرب الهرم الأكبر والتي أُغلقت جزئيًا في 2021، كانت جزءًا من ترحيل المعروضات إلى المتحف الجديد.
شهدت عملية النقل انتقال عدد من القطع من المتحف المصري القديم إلى المتحف الجديد، من بينها القناع الذهبي لتوت عنخ آمون، بينما يحتفظ المتحف القديم بمجموعات أخرى ستظل متاحة للزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم. وفيما يتعلق بالبنية المحيطة، تشهد منطقة الجيزة إعادة تطوير منذ 2009، بما في ذلك إنشاء مركز زوار جديد وتشغيل حافلات كهربائية للتنقل بين المواقع، إضافة إلى إنشاء محطة مترو قريبة من المتحف الكبير.
تسهم التوقعات السياحية في تعزيز الحراك الثقافي، إذ تشير الحجوزات المرتقبة لعام 2026 إلى ارتفاع مقارنة بعام 2025، مدعومة بسجل مصر القياسي في الوصول إلى نحو 15.7 مليون زائر في عام 2024، مع تطلع لاستقبال أعداد تفوق 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل هو جزء من طموح مصري يرسخ مكانة البلاد في مصاف المؤسسات الثقافية العالمية ويعيد تشكيل تجربة زيارة المتاحف بإطار يحاكي التطور العلمي والريادة الثقافية في المنطقة والعالم.