الدكتور سامح عثمان يكتب : المتحف المصري الكبير.. بوابة مصر نحو اقتصاد سياحي عالمي

يقف المتحف المصري الكبير على أعتاب افتتاح كامل يُتوقع في عام 2025، ليصبح أيقونة حضارية جديدة تقع على بعد خطوات من أهرامات الجيزة. هذا الصرح الضخم، الذي بدأ التخطيط له منذ عام 2002، ليس مجرد مبنى يضم مئة ألف قطعة أثرية، بل رؤية وطنية طموحة تحول التراث المصري إلى محرك اقتصادي مستدام. منذ الإعلان عنه، لفت المتحف أنظار وسائل الإعلام العالمية، حيث وصفته قنوات مثل بي بي سي وسي إن إن بأنه أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، ليصبح رمزاً ثقافياً واقتصادياً يعيد رسم مكانة مصر على الخريطة السياحية الدولية.
يحتضن المتحف مجموعة كاملة للملك توت عنخ آمون تضم أكثر من 5400 قطعة تعرض معاً لأول مرة في التاريخ، إلى جانب تماثيل عملاقة مثل تمثال رمسيس الثاني. زود المبنى بمراكز ترميم متطورة تعتمد تقنيات الليزر والذكاء الاصطناعي، ومناطق تعليمية تفاعلية، ومسارح، وحدائق، ومتاجر.
هذا التصميم المتكامل يحول المتحف إلى مجمع ثقافي شامل يجذب الباحثين والعلماء، ويفتح أبواب الشراكات الدولية مع متاحف عالمية مثل اللوفر والبريتش ميوزيوم، مما يعزز الدبلوماسية الثقافية المصرية.
يبرز المتحف كمحفز رئيسي لقطاع السياحة الذي يشكل نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري، وفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2023. يتوقع الخبراء أن يجذب المتحف خمسة ملايين زائر سنوياً، مقارنة بإجمالي 15 مليون سائح زاروا مصر في 2024، مع متوسط إنفاق يتراوح بين ألف وألف وخمسمئة دولار لكل سائح.
ستولد تذاكر الدخول التي قد تصل إلى خمسين دولاراً، إلى جانب مبيعات المتاجر والفعاليات، نحو مليار دولار سنوياً من الإيرادات المباشرة. أما الإيرادات غير المباشرة من زيادة الإنفاق في الفنادق والمطاعم والنقل والرحلات، فقد تضيف ما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار إضافية، حسب دراسات وزارة السياحة والآثار.
يوفر المتحف خمسة آلاف فرصة عمل مباشرة في إدارة المتاحف والخدمات، إلى جانب أكثر من خمسين ألف وظيفة غير مباشرة في منطقتي الجيزة والقاهرة الكبرى. مع ارتفاع معدلات إشغال الفنادق إلى ثمانين في المئة، تبرز فرص استثمارية حقيقية في بناء فنادق فاخرة، كما هو مخطط مع سلاسل عالمية مثل هيلتون وماريوت، وتطوير البنية التحتية المحيطة.
لضمان نجاح المشروع، يجب ربط زيارة المتحف ببرامج سياحية متكاملة تشمل رحلات نيلية، وعروض ليزرية على الأهرامات، وفعاليات ثقافية ليلية. هذه الاستراتيجية ستطيل مدة إقامة السائح من ثلاثة إلى سبعة أيام، مما يزيد الإنفاق ويعمق التجربة الثقافية.
في الختام، يمثل المتحف المصري الكبير خطوة استراتيجية جريئة تحول الإرث الحضاري إلى قوة اقتصادية واجتماعية. هو ليس تراثاً جامداً، بل استثماراً حيوياً يربط الماضي بالمستقبل، ويعزز الدخل القومي، ويخلق فرص عمل للأجيال القادمة. مع افتتاحه الكامل، ستثبت مصر أن حضارتها ليست مجرد تاريخ، بل بوابة واسعة نحو ازدهار سياحي عالمي.