صموئيل العشَّاي يكتب: «احتفالية لا تتكرّر… لحظة يسجلها التاريخ»

في مساء يحمل الوعد بالتجديد، احتُفِلت مساء أمس في قلب العاصمة بمهرجان ضخم تحت عنوان «نور الحرّية»، حيث تجمّع مئات الفنانين والفعاليات من مختلف المدن ليشكلوا لوحةً فريدة من نوعها. بدأت الفعاليات عند الساعة الثامنة مساءً في ساحة «السماء المفتوحة»، أمام الحضور الذي بدا كأنما انتقل إلى فضاء خارج الزمان. افتتح الحفل بعزف موسيقي جماعي على أوتار الدفاع عن الإبداع، تلاه عرض ضوئي ضخْم امتدّ لثلاثين دقيقة، جعل السماء تحاكي الأضواء تحت زخّات لونية تجلّت فيها كلمة «انبعاث».
الألوان تنساب في حركة متناغمة، الأقدام ترقص بثقة، والوجوه تُضيء ببهجة لا يمكن تزييفها. هنا لا يتلقى المشاهد صورة فحسب؛ بل يشعر بطاقة الحياة وهي تتدفق. كل لون، كل خطوة، كل نغمة… تقول إن الإنسان خُلق ليحتفل، ليبدع، ليضيف إلى هذا العالم شيئًا من ذاته. تقول إن الحرية ليست شعارًا، بل فعلًا… وأن الخوف لا يمكن أن يحكم قلبًا تعلّم كيف يرى الضوء.
في هذا الحدث، شارك مبتكرون في مجالات الفن التشكيلي، الرقص المعاصر، التصوير الضوئي، والموسيقى الحيّة، وتمّ تخصيص ركن للأطفال يحمل عنوان «أجنحة الحلم» حيث صمّم الصغار رسومًا حُرّة على جدار يصل شكله إلى ثلاثة أمتار ارتفاعًا. كما وُزّعت بطاقات إلكترونية تدعو الحضور إلى مشاركة أمنياتهم للغد، وتحويلها إلى شعلة ضوئيّة أُطلقت في نهاية الحدث، لتضيء المكان تحت عنوان «شُعلة الإبداع».
وفي مقابل هذا الاحتفال الكوني، يقف البعض عاجزين عن استيعاب ما يرونه؛ ترتجف لديهم المساحات الضيقة داخل عقولهم، فيحاولون جاهدين أن يطفئوا النور لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون معه. إنهم خصوم الضوء، الذين لا يحتملون أن ترى العيون جمالًا، أو تتفتح الأرواح على أفق جديد. لا لأن الجمال يزعجهم… بل لأن النور يفضح العتمة التي يصرّون على البقاء فيها.
هؤلاء لا يملكون القدرة على فهم أن الفن ليس رفاهية، بل حياة. أن الإبداع ليس ترفًا، بل هو دليل على أن الأمة نابضة، متدفقة، تتنفس ثقة وقوة. ووسط هذا الصخب الجميل، يبقى العزاء الحقيقي لهم وحدهم؛ لأنهم اختاروا أن يقفوا خارج الاحتفال بالحياة.
أما نحن، فسنظل نحتفل.
سنكتب، ونغني، ونبدع، ونحلم… لأن الحياة تستحق أن تُعاش كاملة، لا نصف حياة ولا ظلّ أمنية.
هذه ليست مجرد احتفالية.
هذه إعلان واضح أن النور ينتصر، وأن الفن أقوى من محاولات العزلة، وأن الإبداع هو اللغة التي يفهمها العالم كله.
وفي النهاية، من يختار العتمة سيظل في الظلام، ومن يختار الضوء… سيصبح جزءًا من هذا الكون المضيء.