الذكاء الاصطناعي: سلاح ذو حدّين – بين التقدّم الثوري والمخاطر الوجودية

عثمان الشويخ :

شهد العالم خلال العقد الأخير (2015–2025) تسارعًا غير مسبوق في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفع حجم السوق العالمي من 20 مليار دولار عام 2018 إلى 450 مليار دولار عام 2025 وفقًا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد. ويُنظر إلى هذا التقدم بوصفه ثورة صناعية رابعة، لما يحمله من قدرة على تغيير مسارات التنمية والاقتصاد والطب والتعليم. غير أن هذا التقدم الهائل يحمل معه أيضًا جوانب خطيرة قد تهدد استقرار المجتمعات ومستقبل الإنسانية إذا أُسيء استخدامه أو تُرك دون ضوابط.

على الجانب المشرق، حقق الذكاء الاصطناعي اختراقات غير مسبوقة في مجالات متعددة. ففي مجال الطب، تمكن نموذج “ألفا فولد 3” التابع لشركة Google DeepMind من التنبؤ بهيكل 99.8٪ من البروتينات البشرية بدقة مذهلة بلغت 0.5 أنجستروم، مما أسهم في تطوير سبعة أدوية جديدة لعلاج السرطان والأمراض النادرة بحلول عام 2025، بحسب مجلة “نيتشر ميديسين”. كما استخدمت منظمة الصحة العالمية أنظمة ذكاء اصطناعي للكشف المبكر عن مرض السّل في المناطق الريفية بالهند، وساهم ذلك في خفض معدل الوفيات بنسبة 31٪ خلال عام واحد. وقد أدت الأنظمة الجراحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل روبوت “دافنشي”، إلى تقليل الأخطاء الجراحية بنسبة 41٪ في مستشفيات الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات منشورة في مجلة “JAMA Surgery”.

وفي مجال التعليم، تعاونت أكاديمية خان مع نموذج Grok-3 لتقديم تعليم شخصي لأكثر من 42 مليون طالب في الدول النامية، الأمر الذي أدى إلى رفع نسب النجاح في الرياضيات بنسبة 28٪، بحسب تقارير اليونسكو. وفي مصر، أطلقت وزارة التربية والتعليم برنامج “المعلم الذكي” لمساعدة الطلاب في اللغة العربية والعلوم، مما ساهم في تقليص الفجوة التعليمية بين الريف والمدينة بنسبة 19٪.

أما على المستوى البيئي والاقتصادي، فقد ساهم الذكاء الاصطناعي في خفض انبعاثات الكربون عالميًا بنسبة 4.2٪ من خلال تحسين إدارة الطاقة، بينما تشير تقديرات شركة “ماكينزي” إلى أنه سيضيف 13 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.

لكن في المقابل، يتنامى الوجه المظلم لهذا التطور. فقد تم إنتاج أكثر من 96 مليون فيديو مزيف بتقنية “ديب فيك” خلال عام 2024، كان 60٪ منها لأغراض سياسية أو إباحية، ما أدى إلى التلاعب بالرأي العام خلال انتخابات عدة دول، بما فيها الولايات المتحدة حيث تسبب فيديو مزيف لأحد المرشحين في انخفاض شعبيته بنسبة 7٪. كما تعاني نماذج الذكاء الاصطناعي من ما يُعرف بـ “الهلوسة المعرفية”، أي إنتاج معلومات خاطئة بثقة كبيرة، وتصل هذه النسبة إلى ما بين 8 و12٪ وفقًا لتقارير “OpenAI”. ولم يقتصر الأمر على المعلومات، بل امتد إلى حياة البشر؛ إذ سجلت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية 47 حالة وفاة بسبب الاعتماد على تشخيص طبي خاطئ قدمته أنظمة ذكاء اصطناعي، وأكدت دراسة منشورة في مجلة “ذا لانسيت” أن واحدًا من كل خمسة تطبيقات طبية يقدم نصائح مضللة تتجاوز نسبة الخطأ فيها 30٪.

وتحذر الأمم المتحدة من تزايد خطورة الأسلحة ذاتية التشغيل، مؤكدة في تقرير عام 2025 أنها تمثل “خطرًا وجوديًا على البشرية” بعدما أجريت تجارب عليها في 14 دولة. كما حذرت مؤسسة RAND من احتمال تنفيذ هجمات سيبرانية مدعومة بالذكاء الاصطناعي قد تسبب خسائر مالية قد تصل إلى 1.2 تريليون دولار في هجوم واحد. وعلى الصعيد الاجتماعي، أظهرت دراسة صادرة عن مركز Pew عام 2025 أن واحدًا من كل أربعة شباب أصبح يفضل التواصل العاطفي مع روبوتات الدردشة بدلاً من البشر، وهو ما رفع معدلات الاكتئاب بنسبة 22٪. وفي العالم العربي، وثَّق مؤتمر مفتي الجمهورية العاشر في القاهرة صدور 38 فتوى خاطئة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ما تسبب في إثارة جدل ديني وطائفي في ست دول عربية.

ولتفادي هذه المخاطر، يقترح خبراء الذكاء الاصطناعي مجموعة من المبادئ والضوابط لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات. ففي المجال الطبي، يجب أن يخضع أي تشخيص أو توصية صادرة عن الذكاء الاصطناعي للمراجعة البشرية الإلزامية. وفي الإعلام، يجب اعتماد علامات مائية رقمية لتمييز المحتوى المنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي لحماية الرأي العام من التضليل. وفي التعليم، يجري العمل على دمج أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية لتأهيل الأجيال المقبلة للتعامل الواعي مع هذه التقنيات. أما في الأمن والدفاع، فتدعو المؤسسات الدولية إلى إبرام اتفاقيات دولية لمنع تطوير أو نشر الأسلحة ذاتية التشغيل. كما يجب اعتماد نظم تدريب هذه النماذج على بيانات مصفاة لتقليل الانحياز ومنع الهلوسة المعرفية.

هكذا يقف الذكاء الاصطناعي اليوم بين طريقين: طريق يفتح أبواب التقدم والازدهار، وطريق آخر قد يقود البشرية نحو مخاطر غير مسبوقة. والاختيار بين الطريقين ليس بيد التكنولوجيا، بل بيد الإنسان الذي يصنعها ويوجهها

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى