ورحل عمدة الوحدة الوطنية .. جمال عيسي آخرُ الرجالِ المحترمين .. احزني يا قريتي

هناك أخبارٌ لا تُستقبل بالأذن، بل تسقط مباشرة على القلب… تصدمه، تربكه، وتكسر فيه شيئًا لا يمكن إصلاحه.
الليلة لم يكن ليلةً عاديًا في قرية أولاد إلياس… فالقرية لن تنم، والقلوب لن تهدأ، والوجوه لم تعرف سوى الدموع والتنهيدات.

لقد رحل الرجل الذي كان حضورُه يزرع الطمأنينة في النفوس، ورحل من كان يُشبه ظل الشجرة في قيظ الحياة… ورحل الذي كان إذا ظهر انفرجت الهموم، وإذا تكلّم سكنت النفوس، وإذا صافح أحدًا ترك في روحه أثرًا.

نعم، رحل آخر الرجال المحترمين.

رحل رجلٌ لم يكن مجرد اسم في السجلات، بل كان فصلًا من تاريخ القرية.
كان عمدة المحبة، رجل الوحدة الوطنية، الحارس الأمين على العلاقات الإنسانية قبل أي شيء آخر. كان صديق الجميع، القريب من الجميع، دون تمييز، دون مصلحة، دون مقابل.

كان أول المهنئين في الأفراح، وأول الحاضرين في الأزمات، كان يطوي المسافات ليجبر خاطرًا منكسرًا، ويُحسن بكلمة واحدة ترتيب قلوبٍ تشتتت.

وعندما نبحث اليوم في الذاكرة، نجد أنه لم يترك وراءه فراغًا فقط… بل ترك مساحة من الضوء فقدناها إلى الأبد.

توفي المربي الفاضل جمال الدين علي عيسى الرجل الذي عاش شامخًا، ومات شامخًا، عميد عائلة الشوامخ، وشهرته الحاج عيسى علي عيسى شامخ، الرجل الذي أحبّه الجميع وعرفوه باسمٍ صار جزءًا من وجدان القرية: جمال عيسى… جمال في الاسم، جمال في السيرة، جمال في الأثر.

كان قلبًا يمشي على الأرض…
كان إذا اختلف الناس جمعهم، وإذا تحيروا أرشدهم، وإذا ضاقت صدورهم وسّعها بابتسامته الصادقة.
لم يكن رجلًا عاديًا… بل كان بيتًا مفتوحًا، وكتفًا يُستند عليه، وصوتًا يُطفئ الخلاف.

اليوم، تبكيه الطرقات التي مر بها، والمقاعد التي جلس عليها، واللحظات التي لن تتكرر.
تبكيه المساجد التي أحبها، والأعياد التي كان يبدأها بالتهنئة للجميع دون استثناء.
تبكيه القرية بأكملها، من أصغر طفل إلى أكبر شيخ، فالجميع عرفه… والجميع أحبه… والجميع تألم لفقده.

إنّ رحيل الرجال المحترمين ليس حدثًا عابرًا، ولا قصة تُروى ثم تُنسى.
إنه زلزال هزّ القلوب، وترك في داخلها شقًا عميقًا.
لأن أصحاب القلوب البيضاء… لا تعوَّض أماكنهم.

اليوم، لا تبكي القرية رجلًا من أهلها فقط…
بل تبكي قيمًا رحلت، وأخلاقًا غابت، ورحيلًا فتح بابًا من الحنين لن يُغلق.

ستشيع الجنازة غدًا بعد صلاة الظهر من مسجد الشوامخ،
والعزاء يوم الجمعة والسبت بدوار العائلة.
ستمر الجنازة من الشوارع التي أحبها، وبين الناس الذين عاش لأجلهم، لكن ما لن يرحل معه… هو أثره في النفوس.

يا رجلًا لم يترك وراءه إلا الخير…
يا قلبًا لم يعرف إلا الصفاء…
يا سيرةً لم تعرف إلا العطاء…

سلامٌ عليك يا آخر الرجال المحترمين،
سلامٌ عليك يا عمدة المحبة،
سلامٌ عليك حتى نلتقي.

خالص العزاء لقريتي بالكامل في رحيلك .. صموئيل العشاي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى