رجل من رجال الظل… العميد حاتم طاهر الذي أنقذ المتحف المصري في أصعب لحظات الوطن

في اللحظات التي تهتز فيها الأوطان ويتراجع اليقين وتعلو الأصوات المتخبطة، يبقى هناك رجال لا يعرفون الانسحاب ولا يسمحون للفوضى أن تمتد إلى قلب الوطن. رجال يعملون في الظل، دون أن يطلبوا تقديرًا أو تصفيقًا. من بين هؤلاء يبرز اسم العميد حاتم محمود طاهر، أحد أبرز ضباط الوحدة ٩٩٩ قتال بالقوات المسلحة المصرية، ووحدات العمليات الخاصة شديدة الحساسية في الدولة.

تخرّج العميد حاتم طاهر في الكلية الحربية ضمن الدفعة ٨٦، ومنذ بداية مسيرته كان واضحًا أن طريقه مختلف. فقد تم الدفع به إلى صفوف وحدات النخبة، حيث لا يصل إلا من يمتلك القدرة الجسدية والقيادة الذهنية والكفاءة الاستثنائية. شارك في مهام سرية ومأموريات خاصة خلال فترات حرجة من تاريخ مصر، لا تزال تفاصيل كثير منها حتى اليوم غير معلنة. فقد كان يعمل في مناطق لا يُسمح فيها بالخطأ، ولا يُقبل فيها الهروب، حيث يكون الوطن هو الهدف الأسمى.

جاءت اللحظة الفاصلة خلال أحداث الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١. الدولة في قلب العاصفة، والمشهد في الشارع مفتوح على كل الاحتمالات. وفي الوقت الذي كان فيه العالم يتابع حالة الانفلات الأمني، كانت هناك كنوز تتجاوز قيمتها حدود الاقتصاد والسياسة. في قلب ميدان التحرير كان يقف المتحف المصري، وبداخله آثار فرعونية لا تقدر بثمن، على رأسها قناع الملك توت عنخ آمون. وعندما وردت معلومات عن محاولات للاقتحام والسرقة، كان القرار الحاسم هو إرسال قوة من الوحدة ٩٩٩ قتال بقيادة العميد حاتم طاهر لتأمين المتحف ومنع أي محاولة للعبث بتاريخ مصر.

تحركت القوة وسط الفوضى ووسط بحر من الحشود. كانت المهمة أشبه بعملية إنقاذ جراحية دقيقة في قلب عاصفة. ورغم حالة التوتر والانفلات في محيط المتحف، نجح العميد حاتم طاهر في فرض السيطرة الكاملة دون اللجوء للعنف إلا عند الضرورة، محافظًا على المبنى وحاميًا لكل قطعة أثرية داخله. تمكن من تأمين المتحف في أصعب الظروف، مانعًا سرقة أو تشويه أي من الكنوز المصرية. كانت تلك العملية مثالًا حيًا للانضباط العسكري وضبط النفس وحماية الوطن دون إلحاق الضرر بأبنائه.

امتدت مسيرة العميد حاتم طاهر إلى خارج الحدود كذلك، حيث شارك في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دول شهدت انهيارًا أمنيًا وصراعات عنيفة. مثّل مصر في مناورات قتالية داخل وخارج البلاد، وحصل على عدد من الدورات المتقدمة في القوات الخاصة، ومنها الصاعقة الراقية والمظلات ومقاومة الإرهاب الدولي والقفز الحر والضفادع البشرية وإدارة الأزمات الدولية لقوات الأمم المتحدة. هذه الدورات لا تمنح إلا لمن يمتلك إرادة صلبة وكفاءة قتالية من طراز نادر.

لم تكن مسيرة العميد طاهر خالية من التضحيات الجسدية. فقد تعرض لإصابات متعددة أثناء العمليات والتدريبات، لكنه ظل متمسكًا بزيه العسكري حتى آخر لحظة تسمح بها لياقته. وفي النهاية، وبعد رحلة طويلة من العطاء، اضطر للتقاعد لعدم اللياقة الطبية نتيجة تعدد الإصابات، لكنه خرج محاطًا بمحبة زملائه واحترام قادته، تاركًا خلفه سجلًا مشرفًا في خدمة الوطن.

العميد حاتم طاهر ليس مجرد ضابط شارك في مَهمة عسكرية. إنه نموذج للرجل الذي يجمع بين الشجاعة والانضباط، بين الصمت والإنجاز، بين الإقدام والحكمة. رجل من رجال الظل الذين يعرفون قيمة الوطن، ويحفظون تاريخه دون أن ينتظروا ذكرًا أو تكريمًا. وإن كانت مصر تُبهر العالم بما تملكه فوق الأرض، فإن رجالًا مثل حاتم طاهر هم كنوزها التي تحميها تحت الراية.

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. كم من أبطال مثل هذا البطل الفذ، لم يسمع بهم الشعب وصت صخب الميديا والترند وشاكوش وبيكا وكزبرة!

    تحية تقدير وإجلال لهذا البطل العظيم، ولكل أبطال الظل الذين لايعرفهم أحد؛ ولكن يكفيهم أن الله جل في علاه يعرفهم وسيجزيهم بما قدموا أعلي درجات الجنة.

    لهم منا عظيم التقدير والاحترام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى