عيد ميلاد اللواء محمد رشاد: بطل الأمن القومي المصري الذي رسم تاريخًا من الإنجازات الاستخباراتية

في يوم مميز يتزامن مع عيد ميلاده الـ87، يحتفل العالم العربي والمصري باللواء محمد رشاد، الرجل الذي أصبح رمزًا للذكاء الاستخباراتي والشجاعة الوطنية. ولد اللواء رشاد في 8 نوفمبر 1938، وهو اليوم الذي يذكرنا ببدايات رجل حمل على كتفيه أثقل الملفات الأمنية في تاريخ مصر الحديث. كوكيل سابق لجهاز المخابرات العامة، ومؤسس غرفة معلومات أكتوبر، ورئيس الملف العسكري الإسرائيلي، لم يكن رشاد مجرد ضابط؛ بل كان مهندسًا للنصر، صيادًا للجواسيس، ومهندسًا لعمليات أذلت العدو. في هذا المقال، نستعرض مسيرته الاستثنائية، مع التركيز على إنجازاته البارزة، بمناسبة هذا العيد السعيد الذي يعكس حياة مليئة بالتضحيات والانتصارات.
مسيرة الرجل الذي بنى جدران الأمن القومي
بدأ اللواء محمد رشاد رحلته في جهاز المخابرات العامة كضابط شاب، لكنه سرعان ما صعد إلى قمة الهرم كوكيل للجهاز، مسؤولًا عن أكثر الملفات حساسية. شغل منصب قنصل مصر في تركيا واليونان، حيث طور شبكاته الاستخباراتية، لكنه اشتهر حقًا بدوره في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
كان رشاد جزءًا أصيلًا من غرفة عمليات المخابرات أثناء حرب أكتوبر 1973، حيث ساهم في جمع المعلومات التي مهدت للعبور الناري الذي أذهل العالم.
من أبرز إنجازاته تأسيس “غرفة معلومات أكتوبر”، وهي الوحدة الاستخباراتية المتخصصة التي أصبحت عماد التنسيق بين الجهات الأمنية والعسكرية.
أنشأها رشاد بعد نكسة 1967، لتكون مركزًا لمراقبة التحركات الإسرائيلية وتحليل التهديدات، مما ساهم في استعادة التوازن الاستراتيجي لمصر.
كانت هذه الغرفة “عيون مصر الساهرة”، كما وصفها رشاد نفسه، حيث ركزت على بناء قواعد بيانات شاملة عن الجيش الإسرائيلي، مما ساعد في نجاح عمليات الاستنزاف والحرب الكبرى.
أما دوره كرئيس للملف العسكري الإسرائيلي في المخابرات العامة من عام ١٩٦٨ إلى ١٩٧٨، فكان الأكثر خطورة. خلال هذه الفترة، رصد رشاد النوايا العدوانية الإسرائيلية، وتابع تحركاتها يومًا بعد يوم، مما منع عدة مؤامرات وأعد لمصر أوراق قوة في المفاوضات اللاحقة. في مقابلة مع منصة “وكالة أنباء الشرق الأوسط ”، أكد رشاد أن هذا الملف كان “الخط الأمامي” في الحرب الباردة مع إسرائيل، حيث كشف عن قضايا فلسطين والسودان قبل أن تصبح عامة.
خبير الأمن القومي: 71 يومًا من الاستجواب الذي كشف أسرار “عملية القرن”
اللواء محمد رشاد أحد أبرز خبراء الأمن القومي في مصر، وإنجازه الأكثر شهرة هو استجوابه للجاسوسة هبة سليم، التي وصفت بـ”أخطر جاسوسة في القرن”.
هبة سليم، الطالبة في جامعة عين شمس، جُندت من قبل الموساد الإسرائيلي أثناء دراستها في فرنسا، حيث سربت نحو 70% من أسرار الجيش المصري، بما في ذلك تفاصيل عن الدفاعات الساحلية والتحركات العسكرية.
في ليلة القبض عليها عام 1980، كان رشاد هو الضابط الذي قاد التحقيق. قضى معها 71 يومًا متواصلة، يعمل ليلًا ونهارًا، مستخدمًا مزيجًا من الذكاء النفسي والمعلومات الدقيقة لكسر حاجز الصمت. “كانت هبة سليم مصدرًا مهمًا جدًا، سافرت إلى إسرائيل 9 مرات، وسربت معلومات خطيرة عن الجيش”، يروي رشاد في مقابلاته.
بعد ٧١ يومًا من الاعترافات، كشفت سليم عن شبكات تجسس واسعة، بما في ذلك تفاصيل عن عملاء إسرائيليين في القاهرة، مما أدى إلى تفكيك خلايا كاملة وإنقاذ مصر من ضربات محتملة. وصف رشاد هذه العملية بـ”عملية القرن”، لأنها لم تكن مجرد اعتقال، بل إعادة بناء للثقة في الجهاز الأمني.
هذا الاستجواب لم يكن سهلًا؛ فقد واجه رشاد تحديات نفسية هائلة، لكنه نجح في استخراج اعترافات غيرت مسار القضية، وأصبحت قصته مصدر إلهام لأجيال من الضباط.
الضابط الشجاع: مساهمته في عملية تفجير الحفار الإسرائيلي
في سياق مواجهة الغرور الإسرائيلي بعد نكسة 1967، ساهم اللواء محمد رشاد بشكل مباشر في إحدى أبرز العمليات الاستخباراتية: “عملية الحفار” أو “عملية الحج”، التي دمرت الحفار البترولي الإسرائيلي “كينتنج 1” في خليج السويس عام 1970. كرئيس للملف الإسرائيلي، كان رشاد مسؤولًا عن جمع المعلومات الدقيقة عن موقع الحفار، الذي كان يُستخدم كغطاء لعمليات تجسس بحرية، بالإضافة إلى محاولات إسرائيلية لتحطيم الروح المعنوية المصرية من خلال الاستفزازات الاقتصادية.
العملية، التي نفذتها القوات البحرية المصرية بالتعاون مع المخابرات، شهدت “ضفادع بشرية” مصرية تقطع مسافة 25 كيلومترًا تحت الماء لتلغيم الحفار، في مهمة سرية استمرت أسابيع من التخطيط.
كشف رشاد في مقابلة مع “RT” تفاصيل “زلزال إسرائيلي”، موضحًا كيف أن معلوماته الاستخباراتية كانت العنصر الحاسم في تحديد الموقع والتوقيت، مما أدى إلى تفجير ناجح أذل الإسرائيليين وأعاد الثقة للجيش المصري.
هذه العملية لم تكن مجرد ضربة عسكرية؛ بل كانت صفعة على وجه الغرور الإسرائيلي، كما وصفها المؤرخون، وساهمت في تعزيز حرب الاستنزاف التي مهدت لحرب أكتوبر.
بعد إحالته إلى المعاش، لم يتوقف اللواء رشاد عن خدمة وطنه؛ فقد أصبح محللًا استراتيجيًا يعلق على التطورات السياسية، مثل دور الإخوان في ثورة 30 يونيو، وتحذيراته من المخاطر الأمنية الحديثة.
صفحته الرسمية على فيسبوك، والتي تضم آلاف المتابعين، تعكس إرثه كـ”رجل المخابرات المصرية” الذي خلده التاريخ.
في عيد ميلاده الـ87، نجدد العهد بتذكر تضحياته، فاللواء محمد رشاد ليس مجرد اسم في سجلات المخابرات؛ بل هو بطل حقيقي رسم حدود الأمن القومي بدمائه وذكائه. عيد ميلاد سعيد يا صقر المخابرات، ومصر فخورة بك.