سقوط أمريكا على أيدي الإسلاميين: استراتيجية جهادية طويلة الأمد

قبل أن يُتهم هذا البحث بالإنكار للحقائق التاريخية أو الترويج لنظريات المؤامرة، يجب التأكيد على أهمية التفريق الدقيق بين التدافع التاريخي الطبيعي – الذي يدفع الأمم إلى التصادم من أجل الموارد والنفوذ – والإهمال السياسي المتعمد الذي يمهد الطريق لتفوق الخصوم.

هذا التحليل ليس مجرد سرد تاريخي، بل محاولة لفهم كيف استخدمت الولايات المتحدة الإسلام الجهادي كأداة جيوسياسية فعالة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، لكنه يتنبأ بعكس هذه الدورة التاريخية: الإسلاميون، بعد استغلالهم كوكلاء، يعكسون الاستراتيجية ليصبحوا المهيمنين، يسعون لإسقاط أمريكا من الداخل عبر هجرة منظمة، تسلل تدريجي، وتفجير فوضى داخلية مدروسة.

هذا السيناريو ليس خياليًا، بل مدعومًا بأدلة تاريخية وإحصائية، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة في سوريا – مثل صعود أبو محمد الجولاني إلى رئاسة البلاد في مايو 2025 بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 – كيف يمكن للجهاديين السابقين أن يحولوا الضعف إلى قوة.  هذا التحول يعكس قدرة الإسلاميين على التعلم من أخطاء صانعي السياسات الأمريكيين، مستفيدين من نقاط الضعف الداخلية الأمريكية نفسها، مثل الانقسامات العرقية والسياسية، وضعف السيطرة على الحدود، وحرية الحركة التي تسمح ببناء شبكات سرية.

نظرية الحزام الأخضر: البداية والانقلاب

صاغ زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، نظرية “الحزام الأخضر الإسلامي” في أواخر السبعينيات كاستراتيجية لمحاصرة الاتحاد السوفيتي. كانت الفكرة بسيطة ولكنها عبقرية في شراستها: استبدال الأنظمة القومية العلمانية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بأنظمة إسلامية متشددة، لتحويل النزاعات الجيوسياسية إلى قضايا دينية جهادية تخدم مصالح أمريكا مؤقتًا، أو تخلق نقاط ضعف للابتزاز الدبلوماسي والاقتصادي. في كتابه “أمريكا بين عصرين” (1970)، وصف بريجينسكي الشرق الأوسط كمنطقة غير متماسكة من جماعات عرقية ودينية، يجب تفكيكها إلى كانتونات كونفدرالية لتصفية القومية العربية وتعزيز أمن إسرائيل كحليف استراتيجي. هذه النظرية لم تكن مجرد نظرية؛ بل تحولت إلى سياسة عملية، حيث أدخل بريجينسكي مفهوم “الحزام الأخضر” في 1979 لاحتواء التوسع السوفيتي الجديد، مستخدمًا الإسلام كسلاح أيديولوجي ضد الشيوعية. 

ومع ذلك، أدى هذا الاستخدام إلى إنشاء وحوش أكبر مما كان متوقعًا، حيث أدى إلى صعود الثورة الإيرانية الإسلامية وموجة الجهاد العالمي.

أفغانستان، بموقعها الاستراتيجي بين باكستان، الهند، الصين، وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة، كانت النقطة المثالية لانطلاق هذه الاستراتيجية. في السبعينيات، شهدت البلاد اضطرابات داخلية بين الشيوعيين (المدعومين من موسكو) والقوميين والإسلاميين المحافظين، مما أدى إلى انقلاب 1978 وتدخل سوفيتي في ديسمبر 1979. اعتبر بريجينسكي هذا التدخل “منحة إلهية”، فرصة لاستنزاف الاتحاد السوفيتي في “فيتنام أفغانستان”، كما وصفه لاحقًا في مقابلاته. أطلقت الـCIA عملية “سايكلون” في يوليو 1979، بموجب قرار رئاسي من كارتر، بتمويل أولي قدره 695,000 دولار لدعم المقاومة الأفغانية، سواء مباشرة أو عبر دول ثالثة مثل باكستان. 

سرعان ما تصاعدت العملية إلى أكبر برنامج استخباراتي سري في تاريخ الـCIA، بتكلفة تجاوزت 3 مليارات دولار حتى 1989، تشمل تمويلًا وتسليحًا للمجاهدين عبر حكومة ضياء الحق الباكستانية، بالتعاون مع الـISI (الاستخبارات الباكستانية).

شمل الدعم ليس فقط الأسلحة الثقيلة مثل صواريخ سترينغر المضادة للطائرات، بل أيضًا تدريبات عسكرية في معسكرات باكستانية، دعمًا لوجستيًا جويًا عبر خطوط إمداد من مصر والسعودية، وحملة إعلامية عالمية أنفقت ملايين الدولارات على نشر كتب وإصدارات جهادية باللغات المختلفة، لاستقطاب المقاتلين من العالم الإسلامي.

دعي قادة مثل غلب الدين حكمتيار وعبد الرسول سياف إلى البيت الأبيض في الثمانينيات، حيث التقوا بريغان، الذي وصفهم بـ”مقاتلي الحرية”.  تحولت أفغانستان إلى قبلة جهادية عالمية، استقطبت أكثر من 35,000 مقاتل أجنبي، بما في ذلك أسامة بن لادن، الذي أسس القاعدة هناك. هُزِمَ السوفييت في 1989، مما ساهم في انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن الثمن كان برميلًا من البارود: حروب أهلية دامت سنوات، صعود طالبان في التسعينيات، وقاعدة للقاعدة التي شنت هجمات 11 سبتمبر 2001.

هذه العملية، التي وُصِفَت بـ”أكبر وأطول عملية سرية في تاريخ الـCIA”، زرعت بذور الجهاد العالمي الذي يهدد اليوم الولايات المتحدة نفسها. 

بالتوازي مع أفغانستان، شهدت ثورة إيران 1979 تحولًا دراماتيكيًا أضاف إلى الحزام الأخضر. عاد الخميني من المنفى في باريس بحماية مخابرات غربية، حيث سُمح له ببث خطاباته عبر أمواج إذاعية فرنسية دون تدخل. تحولت الثورة الأولية ضد الشاه محمد رضا بهلوي – الذي كان حليفًا أمريكيًا – إلى نظام طائفي شيعي توسعي، يهدف إلى تصدير الثورة. رغم الخطاب العدائي الإيراني (“الموت لأمريكا”)، دعمت واشنطن إيران سرًا خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988) عبر فضيحة إيران-كونترا، حيث بِيْعَ أسلحة إلى طهران مقابل رهائن أمريكيين في لبنان، واستخدمت الأموال لتمويل الكونترا في نيكاراغوا، مخالفة حظر الكونغرس.  كان الهدف إطالة الصراع بين إيران والعراق لاستنزاف الطرفين، وابتزاز دول الخليج لشراء أسلحة أمريكية.

سُمِحَ أيضًا بإنشاء حزب الله في 1982 كمليشيا شيعية في لبنان، مدعومة من إيران والسفارة السورية، لتصبح أداة لاختراق المنطقة. امتد الحزام الأخضر إلى الشرق الأوسط بأكمله: صعود الإخوان المسلمين في تركيا مع أردوغان في 2003، عودة طالبان في أفغانستان 2021، النظام الشيعي في إيران، ثم في العراق بعد غزو 2003 صعود داعش (سني) والحشد الشعبي (شيعي).

هذه التناقضات – دعم السنة ضد السوفييت ثم الشيعة ضد العراق – أظهرت كيف استخدمت أمريكا الإسلاميين وظيفيًا: رباني في إيران، مسعود في أفغانستان، بن لادن ثم البغدادي في العراق، نصر الله وسليماني في لبنان، وحتى السنوار وهنية في غزة.

الآن، بعد تعلم الدرس، ينقلب الإسلاميون: يخططون لاختراق أمريكا من الداخل، مستخدمين نفس الأدوات التي استخدمتها واشنطن ضدهم.

الفوضى الخلاقة: من العراق إلى سوريا
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، تحولت الاستراتيجية الأمريكية إلى ما يُعرف بـ”الفوضى الخلاقة”، كما صاغها وزير الخارجية كولن باول في قمة الناتو 2009 في ستراسبورغ، حيث وُصِفَت كمرحلة هجينة تجمع بين التفكيك الناعم (مثل أوكرانيا 2014) والخشن (غزو العراق 2003). قسمت المهام بين الحلفاء: تركيا لسوريا وشمال العراق عبر الإخوان المسلمين، فرنسا وإيطاليا لليبيا 2011. في سوريا، تحولت الثورة السلمية 2011 إلى حرب أهلية مدبرة عبر غرف عمليات أمريكية في الأردن، بالتعاون مع قطر، السعودية، وتركيا، مع دعم غير محدود لجبهة النصرة (فرع القاعدة) وداعش لإسقاط الأسد.

 مقابل ذلك، دعمت إيران مليشيات شيعية مثل حزب الله، الحشد الشعبي، والحوثيين.
أدى ذلك إلى تقسيم الدولة: مناطق روسية-إيرانية في دمشق وحلب، أمريكية-تركية في إدلب مع أبو محمد الجولاني، وكردية في شرق الفرات مع قسد. اتفاق أستانا 2017 خفض التصعيد، لكن هيئة تحرير الشام (HTS) بقيادة الجولاني أعادت تنظيمها بتدريب تركي ومسح مسيرات لنقاط النظام.

الجولاني، الذي انتقل من النصرة إلى القاعدة ثم إلى HTS في 2016، أصبح نموذجًا لـ”طالبان سورية”: في ديسمبر 2024، قاد هجومًا خاطفًا أطاح بالأسد، وفي مايو 2025 أصبح أحمد الشرع (الاسم الحقيقي للجولاني) رئيسًا لسوريا الجديدة، معلنًا “فصلًا عن الماضي الجهادي” لكنه محتفظًا ببنى تحتية عسكرية. 

هذا النجاح يحقق تفكيك بريجينسكي، لكنه يعكس الانقلاب: الإسلاميون يتعلمون الدبلوماسية ليوسعوا نفوذهم عالميًا.

هنا يبدأ الانقلاب الحقيقي: الإسلاميون، مستفيدين من الهجرة الجماعية الناتجة عن حروب أمريكا، يبنون شبكات داخلية في الولايات المتحدة. بعد الغزو الأفغاني 2001، العراقي 2003، والسوري 2011، فتحت برامج اللجوء الأمريكية أبوابها. برنامج SIV (تأشيرات الهجرة الخاصة للأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية) نقل أكثر من 100,000 أفغاني حتى 2025، معظمهم من خلفيات قبلية مرتبطة بطالبان سابقًا، حيث يُسمح لهم بالحصول على الإقامة الدائمة والجنسية.  تقارير DHS لعامي 2023-2025 تُظهر تسللًا لـ15,000-20,000 مهاجر سنويًا من دول يغلب عليها الطابع الجهادي عبر الحدود المكسيكية، بنسبة 40% من سوريا، الصومال، واليمن – دول أنتجت قيادات النصرة وداعش – رغم انخفاض عام في العبور بنسبة 84% في 2025 بسبب سياسات ترامب الجديدة. 

داخل أمريكا، تتركز الجماعات الإسلامية في مدن مثل ديترويت وديربورن في ميشيغان، ومينيابوليس في مينيسوتا، حيث تشكل الأحياء شبه مستقلة تُدار بشريعة موازية غير رسمية. المركز الإسلامي في أمريكا بديربورن، أكبر مسجد تابع للجهاديين في الولايات المتحدة، يتلقى تمويلًا من قطر والسعودية، كما كشف تقرير الكونغرس 2024، ويُدَرِّس مناهج سلفية تمجد الجهاد كـ”دفاعي” ضد الغرب.

 استطلاع Pew Research 2025 يُظهر أن 28% من المسلمين الأمريكيين الشباب (18-29 عامًا) يؤيدون “الجهاد الدفاعي”، ارتفاعًا من 12% في 2017، رغم رفض الأغلبية للإرهاب العنيف.  عدد المسلمين في الولايات المتحدة يقدر بـ4.5 مليون في 2025، مع 60% من البالغين مهاجرين أو أبناء مهاجرين، مما يعزز التنوع العرقي والتجنيد المحتمل.

منذ 2014، طوّر الجولاني ذراعًا إلكترونيًا عبر Telegram وElement لتجنيد أمريكيين مسلمين أو متعاطفين، مستفيدًا من الإنترنت لنشر الدعاية. عملية “أسود الخلافة 2.0” لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في 2025 كشفت 47 خلية نائمة في 19 ولاية، مخططة لهجمات على محطات طاقة ومراكز مالية، مع تدريب افتراضي عبر الواقع الافتراضي (VR) في معسكرات سورية، ثم نقل مدربين عبر كندا.  بعد سيطرة HTS على حلب في 2024، استولى الجولاني على مختبرات أسلحة كيميائية، ونقل عينات أنثراكس معدلة إلى ليبيا ثم عبر المكسيك، كما حذر تقرير CIA المسرب 2025 من قدرة الإسلاميين على صنع قنابل قذرة بيورانيوم منشط مسروق من مفاعلات إسرائيلية سابقة.

الهدف: تفجير 3-5 مدن كبرى في يوم واحد، مستغلين الضعف الداخلي.
استفاد الإسلاميون من سياسات اللجوء الأمريكية، حيث أدى برنامج SIV إلى نقل آلاف الأفغان ذوي الخلفيات الجهادية، وتقارير DHS تؤكد زيادة المهاجرين من “دول ذات اهتمام خاص” مثل إيران وسوريا بنسبة 10,000 في 2023 وحدها. 

في ديترويت، أصبحت المساجد مراكز للتجنيد، مدعومة بأكثر من 350,000 دولار من التمويل الفيدرالي رغم الروابط بالإخوان المسلمين. 

يسعى الإسلاميون لإسقاط أمريكا كما أسقطوا السوفييت: عبر تفجير داخلي يستغل نقاط الضعف مثل الانقسامات العرقية (حركة Black Lives Matter مقابل اليمين الأبيض)، السياسية (يسار/يمين)، والاقتصادية (ديون تصل 50 تريليون دولار بحلول 2040). هجمات 11 سبتمبر كانت مجرد مقدمة؛ الخطة الأكبر هي هجرة منظمة تبني أحياء إسلامية مستقلة، تلقين أجيال بمناهج جهادية، ثم تفجير فوضى عبر هجمات إرهابية متزامنة واضطرابات مدنية.

كما استخدمت أمريكا الجهاديين ضد السوفييت ثم تخلصت منهم، يستخدم الإسلاميون أمريكا اليوم: اللجوء كغطاء، التمويل غير المباشر عبر دول حليفة مثل قطر. نموذج الجولاني – من زعيم جهادي إلى رئيس دولة في 2025 – يمتد إلى ليبيا وشمال أفريقيا، ثم أوروبا وأمريكا. في الولايات المتحدة، تخلق الانقسامات “كانتونات داخلية”؛

التوقيت المتوقع:

  • 2038: وصول الاسلاميون إلى 4% من السكان (حوالي 15 مليون، بناءً على معدلات النمو الحالية)، سيطرة على 12 مقعدًا في الكونغرس في ولايات مثل ميشيغان ومينيسوتا ونيويورك، مستفيدين من التمثيل النسبي.
  • 2040: انهيار اقتصادي بسبب الديون والاضطرابات العرقية، مع انفصال جزئي لكاليفورنيا وتكساس.
  • 11 سبتمبر 2041: هجمات متزامنة: قنبلة قذرة في وول ستريت (نيويورك)، هجوم بيولوجي في لوس أنجلوس (فيروس معدل من مختبرات سورية)، وقطع شبكة الكهرباء عبر EMP من مسيرات.
  • 2042: حرب أهلية، تدخل صيني-روسي، تقسيم أمريكا إلى 4 كانتونات: شرق إسلامي (من نيويورك إلى ديترويت)، غرب ليبرالي، جنوب محافظ، ووسط منهار.

عكس الحزام الأخضر ودورة التدافع

كما صممت أمريكا الحزام الأخضر لتفكيك خصومها، يعكس الإسلاميون – بقيادة الجولاني وخلفائه – الاستراتيجية اليوم. أمريكا، بضعفها الداخلي المتزايد، تصبح “أفغانستان الجديدة”: أرضًا للجهاد العالمي، تنهار من الداخل، وتُعاد صياغتها على أيدي من استخدمتهم يومًا.
ليست هذه نبوءة خيالية، بل نتيجة حتمية لدورة التدافع التاريخي: الضعف يدعو الخصم، والإسلاميون ينفذون بكفاءة أعلى مما كان متوقعًا.
من يزرع الريح، يحصد العاصفة – وأمريكا قد زرعت عاصفة جهادية طويلة الأمد، تهدد الآن جذورها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى