صموئيل العشاي يكتب: سبع نقاط تشابه مذهله بين السيسي وبوتين

يتزامن عيد ميلاد الرئيس عبد الفتاح السيسي الـ71 هذا العام مع حدث وطني بالغ الدلالة: بدء تركيب هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة الضبعة النووية، المشروع الأكبر في تاريخ مصر الحديث والممول من روسيا. هذا التزامن ليس مجرد مصادفة زمنية؛ بل هو انعكاس لصورة أوسع: علاقة سياسية وشخصية وفلسفية تجمع بين زعيمين خرجا من أعماق الأجهزة الأمنية، واستطاع كل منهما إنقاذ دولته من الانهيار، وصنعا لنفسيهما مكانة لا ترضى عنها القوى الغربية التي تفضّل دائمًا قيادات تُدار من بعيد.
في هذا المقال نحاول قراءة التشابهات العميقة بين بوتين والسيسي، وكيف تحولا إلى ثنائي سياسي يخشاه الغرب، ويقرأه العالم باعتباره بداية لقطب جديد يجمع بين القوة العسكرية الروسية والوزن الجيوسياسي المصري.
أولاً: رجلان استدعتهما الضرورة لإنقاذ شعبيهما من مؤامرات الغرب… وشعوبهما هي من دفعتهما إلى الترشح
لم يصعد بوتين ولا السيسي إلى السلطة بالطريقة التقليدية التي تعتمد على الأحزاب أو الحملات الانتخابية أو الصفقات السياسية. كلاهما جاء في لحظة بدا فيها أن الدولة تقترب من المصير الذي أراده لها الغرب: تفككًا، وانهيارًا، وسيطرة لمشروعات تفتت الهوية الوطنية وتمزق المجتمع.
في روسيا، كانت الفوضى في التسعينيات نتيجة مباشرة لوصفات صندوق النقد الغربي وسياسات الخصخصة العشوائية التي دمرت الاقتصاد وسمحت لطبقة الأوليغارشية بالتحكم في الدولة. كان المشهد أشبه بمحاولة تجريد روسيا من قوتها وتحويلها إلى دولة تابعة، لا تملك قرارها ولا حدود نفوذها.
في تلك اللحظة ظهر بوتين كضرورة تاريخية. لم يكن مرشحاً لحزب قوي، ولم يخرج من ماكينة انتخابية ضخمة، بل خرج من قلب الأجهزة الأمنية التي كانت تدرك حجم الخطر. وحين بدأت ملامح الرجل تظهر، كان الشعب الروسي نفسه هو من دفعه باتجاه قيادة الدولة، لأنه رأى فيه القدرة على وقف الانهيار ورد الهيبة.
وفي مصر، عاش السيسي الوضع نفسه لكن بصيغة شرق أوسطية. الفوضى التي اجتاحت البلاد بعد 2011 لم تكن عفوية، بل كانت جزءًا من مشروع دولي هدفه إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح قوى كبرى. ومع صعود الإخوان إلى السلطة، وصل المصريون إلى يقين بأن الدولة تتفكك أمام أعينهم. وعندما خرج ملايين الناس في 30 يونيو، لم يكن هدفهم إزاحة سلطة فقط، بل إنقاذ الوطن من الانهيار. ومن بين كل الأسماء والوجوه، لم يكن هناك من يستطيع تحمّل هذه المسؤولية سوى رجل عرفته المؤسسة العسكرية جيدًا وعرفته الدولة في لحظة السقوط… عبد الفتاح السيسي. لم يخرج السيسي طالبًا السلطة، بل خرجت الناس تطالبه بها، ودفعته الملايين إلى الترشح لحماية الدولة.
وهكذا، جاء بوتين و السيسي نتاج استدعاء شعبي وضرورة وطنية فرضها الخطر الغربي الذي كان يسعى لإضعاف روسيا وتمزيق مصر. لقد جاء الرجلان ليوقفا مشروعًا دوليًا خطيرًا… وليبدآ إعادة بناء دولتين كانتا تقفان على حافة الهاوية.
ثانياً: ورثا دولتين منهارتين وبنيا استقراراً من الصفر في زمن قياسي
حين تولى بوتين الحكم عام 1999 كانت روسيا دولة منسية على خريطة العالم. الاقتصاد في حالة إفلاس، الديون تجاوزت 150 مليار دولار، والحرب في الشيشان تستنزف الجيش، والفقر يطحن ثلث السكان، والعمر المتوقع للرجال انخفض إلى مستوى مخيف، والمؤسسات تفقد السيطرة لصالح رجال المال.
لكن روسيا خلال عشر سنوات فقط عادت قوة كبرى. انتعش الاقتصاد، واستعاد الجيش هيبته، وارتفعت مستويات المعيشة بشكل غير مسبوق، وتم دمج الشيشان سياسياً وأمنياً بطريقة جعلتها من أكثر المناطق استقراراً في الاتحاد الروسي. لقد أعاد بوتين بناء “الدولة” قبل أن يعيد بناء الاقتصاد.
والسيسي دخل إلى السلطة ومصر تواجه وضعًا مشابهًا من حيث درجة الانهيار وإن اختلف السياق. السياحة منهارة، الإرهاب يضرب بقسوة، الكهرباء تنقطع لساعات طويلة، والمؤسسات الحكومية في حالة إنهاك، وسوق الدولار فقد السيطرة. في أقل من عقد، تغير المشهد بالكامل. تم بناء شبكة مدن جديدة غير مسبوقة في المنطقة، وانتهت أزمة الكهرباء من جذورها، وتم تعزيز البنية التحتية، واستعاد الاقتصاد صلابته رغم التحديات العالمية، ونجحت الدولة في العودة إلى موقعها الطبيعي في محيطها العربي والأفريقي.
هذه التحولات في روسيا ومصر لا يمكن قراءتها كخطط حكومية فقط، بل كـ“إعادة تشغيل كاملة للجمهورية”.
ثالثاً: الغرب رأى فيهما خصمين لا يمكن التحكم فيهما
منذ لحظة صعود بوتين، بدا واضحًا للغرب أنه سيعيد تعريف حدود النفوذ الروسي. خطابه في ميونيخ عام 2007 كان إعلان تمرد سياسي وفكري ضد تمدد الناتو، ومن تلك اللحظة أصبح الهدف الأساسي للولايات المتحدة وأوروبا. العقوبات التي فُرضت على روسيا منذ 2014 حتى اليوم هي الأكبر في التاريخ الحديث، وكلها تأكد أن الغرب لم يتحمل فكرة أن تقف موسكو خارج دائرة الطاعة.
والسيسي عاش لحظة مشابهة وإن اتخذت شكلًا مختلفًا. إسقاط حكم الإخوان عام 2013 مثّل صدمة كاملة للولايات المتحدة التي كانت ترى في هذا المشروع امتدادًا لسياسة “الفوضى الخلاقة”. هنا بدأت محاولة الضغط المالي والسياسي على مصر، وتم تعليق جزء من المساعدات العسكرية، وشن الإعلام الغربي حملات تشويه لا تزال مستمرة. لم يكن الأمر يتعلق بحقوق إنسان أو ديمقراطية، بل بفكرة أن مصر خرجت من يد المشروع الغربي.
كلاهما رُسِمَ له نفس الإطار: قائد قوي… لا يرضخ… ولا يسمح للأجنبي بإدارة الدولة.
رابعاً: الحلف المصري–الروسي أصبح ملفًا مُقلقًا للعواصم الغربية
القاهرة ليست مجرد دولة شرق أوسطية. موقعها، جيشها، قناة السويس، وزنها الديموغرافي والسياسي يجعلها رقمًا لا يمكن تجاوزه. لذلك فإن تقاربها مع روسيا بهذا الشكل يشكل ضغطًا على كل الحسابات الغربية.
كل خطوة تقارب بين القاهرة وموسكو كانت تُقرأ في واشنطن باعتبارها تغييرًا في توازن القوى. من صفقات الطائرات والأسلحة، إلى التدريب العسكري المشترك، إلى الزيارات الرسمية المتكررة، وصولًا إلى مشروع الضبعة النووي الذي يمثل تحولًا استراتيجيًا هائلاً.
الخشية الغربية ليست من قوة روسيا وحدها، بل من ماذا يعني أن تكون هذه القوة متصلة بقلب العالم العربي… مصر.
خامساً: شراكة نووية واقتصادية وعسكرية تعيد تشكيل الشرق الأوسط
المشروع النووي في الضبعة وحده كفيل بأن يغيّر مستقبل مصر لعقود، ليس فقط في الطاقة، بل في الصناعة والتكنولوجيا ونقل المعرفة. ومنطقة التعاون الصناعي في بورسعيد تمثل نقلة في مفهوم الاستثمارات الروسية داخل المنطقة. أما التعاون العسكري فهو الأعمق منذ خمسينيات القرن الماضي حين كانت القاهرة وموسكو في ذروة تحالفهما.
هذه العلاقة لم تعد محصورة في تبادل مصالح، بل تجاوزتها إلى رؤية مشتركة حول مفهوم الدولة القوية، ومواجهة التطرف، والتمسك بالسيادة الوطنية في مواجهة أي تدخل خارجي.
سادساً: المفارقة المدهشة — رئيس أرثوذكسي يحبه المسلمون ورئيس مسلم يحبه الأقباط
هناك مفارقة إنسانية وسياسية فريدة في سيرة الرجلين. بوتين، الذي ينتمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، يحظى بثقة واحترام ملايين المسلمين داخل بلاده، حتى أصبحت مناطق مثل تتارستان والشيشان من أكثر المناطق ولاءً للاتحاد الروسي. وعدد المساجد التي تضاعفت بشكل هائل خلال عهده دليل على استقرار المعادلة الدينية تحت حكمه.
أما السيسي، الرجل المسلم القادم من خلفية عسكرية، فقد أعاد للأقباط شعور الأمان الذي فقدوه لسنوات طويلة. دعم بناء الكاتدرائية الجديدة في العاصمة الإدارية، وشارك في قداس عيد الميلاد، وأدار أخطر سنوات الإرهاب دون أن يسمح بانزلاق الوطن إلى فتنة طائفية.
هذه المفارقة تعكس أن الرجلين يتعاملان مع الدين باعتباره مكوّنًا وطنيًا وليس ساحة صراع سياسي.
سابعاً: رجلان خرجا من الظل ليصبحا رمزين عالميين للصمود وإعادة بناء الدولة
بوتين والسيسي كلاهما ينتمي إلى مدرسة القيادة التي تخرج من غرف العمليات لا من ساحات السياسة. رجال تعمل بصمت، وتفكر بعمق، وتتحرك بحذر، لكنها عندما تظهر في لحظات التاريخ المصيرية تصنع تحولات كبرى.
كلاهما تعرض لحملات شيطنة غير مسبوقة، ولضغوط هائلة، ولحصار إعلامي وسياسي، لكنهما واصلا الطريق بثبات. وفي عالم يتغير كل يوم، أصبحت تجربتهما نموذجًا لما يمكن أن تفعله الإرادة السياسية حين تتوافر مع رؤية واضحة للدولة.
مسيرة بوتين والسيسي تكشف شيئًا أبعد من مجرد علاقة بين رئيسين. هناك تشابه روحي وفلسفي ومسار شخصي وسياسي يكاد يكون مرآة بينهما. رجل من روسيا الأرثوذكسية يحبه المسلمون، ورجل من مصر المسلمة يحبه الأرثوذكس. كلاهما يواجه عاصفة دولية كبرى، وكلاهما يقف ثابتًا في لحظة تراجع معظم القادة.
إنها قصة رجلين خرجا من الظل… فصنعا صورتين جديدتين للقيادة في القرن الحادي والعشرين.