الذكرى الـ37 لشهيد أولاد إلياس… القس رويس فاخر

بقلم صموئيل العشاي:
تمر سبعة وثلاثون عامًا، وما زال وجه أبونا رويس حاضرًا كما لو كان بيننا أمس. هذا الشاب البسيط الذي نشأ وسط بيوت أولاد إلياس، ابن البلد الذي عرفنا طبعه الهادئ منذ صغره، وارتبطنا به من خلال خدمته الهادئة في مدارس الأحد. كانت خدمته بلا ضوضاء وبلا ادّعاء… مجرد قلب نقي يخدم بصدق، فيدخل إلى القلوب دون أن يشعر.
كنا نراه يقف وسط الأطفال بابتسامته المميزة، صوته الواثق، وطريقته الجميلة في تحفيظ الترانيم. كان يعرف كيف يجعل الطفل يفرح بالكلمة الروحية دون أن يشعر أنه يتعلم، ويزرع محبة المسيح في النفوس بطريقة طبيعية، كأنها جزء من تنفسه. لذلك أحبّه الجميع… صغارًا وكبارًا.
لم يكن خادمًا “عاديًا”، بل كان شخصًا حين تتعامل معه تشعر وكأن السلام يمشي على قدميه.
ولأن شخصيته كانت مليئة بالنعمة، لم نتفاجأ حين عرفنا أنه اختير للكهنوت. يومها شعرنا جميعًا أن الكنيسة تربح كاهنًا من طراز مختلف؛ كاهنًا من النوع الذي يُطمئنك حضوره قبل أن يتكلم، والذي تعيش معه كلمة “أبونا” بكل معناها.
حتى عندما علمنا أنه سيُرسم في كنيسة مار يوحنا المعمدان بقرية دوينة وليس في كنيستنا بأولاد إلياس، لم نشعر بالغربة، لأن خدمتنا كانت ممتدة فيه، وكأننا نقدّم ابنًا من بيننا للكنيسة كلها.
وقد تمت رسامته على يد نيافة الحبر الجليل الأنبا أندراوس، مطران أبوتيج والبروسية الحالي، لتبدأ رحلة قصيرة في عدد الأيام، لكنها ممتلئة بالروح. كان يتحرك بروح الأبوة نفسها التي عرفناها فيه، يزور ويعزي ويخدم وكأن لديه سنوات طويلة في الكهنوت، وليس مجرد عام ونصف. كل من عرفه في دوينة شعر بالراحة لحضوره، وكأن نعمة خاصة كانت ترافقه أينما ذهب.
لكن الطريق الذي سار فيه أبونا رويس لم يكن طويلًا، فقد اختُتم بطريقة يعرفها القديسون فقط.
في صباح 24 نوفمبر 1988، وبينما كان يخرج من الكنيسة التي أحبها وخدمها، امتدت إليه يد الإرهاب الغادر، فصار شهيدًا للإيمان… شهيدًا لرسالته… شهيدًا لطهارته.
كان في سن الثانية والثلاثين فقط، لكن سيرته تقول إنه عاش أعوامًا أطول بكثير في المعنى والبركة والعمق.
نحن لا نتذكره فقط لأنه استُشهد، بل لأن حياته نفسها كانت شهادة. شهادة للمحبة، وللبساطة، وللطاعة، وللروح الوديعة التي لا تُقاوم. كان نموذجًا من النماذج النادرة التي تبقى، حتى إن رحلت أجسادهم.
واليوم، كلما تذكرناه، نشعر أننا لم نفقده… بل كأن السماء اقتربت منا أكثر من خلاله.
يبقى صوت ترانيمه في أذن كل من تتلمذ على يديه، وتبقى ابتسامته مرسومة على الوجوه التي عرفته، وتبقى سيرته عزاءً صامتًا لكل من يتألم أو يبحث عن معنى الخدمة.
بركة صلواته وشفاعته تكون معنا دائمًا، ولتبقَ ذكراه حية في قلوب أبناء أولاد إلياس ودوينة وكل من تنعم بنعمته