فوزي الجندي يكتب : الوجود

الوجود… كلمة نسمعها كثيرًا، لكن قليلًا ما نتوقف لنسأل: ما هو الوجود حقًا؟ وكيف نعيشه؟
فليس كل من يعيش على الأرض موجودًا بمعنى الوجود؛ فهناك أشخاص حاضرون بأجسادهم فقط، لكنهم غائبون عن الحياة وتأثيرها. وهناك من غرقوا في الجسد وشهواته حتى صار وجودهم مجرد بقايا حياة بلا روح. وآخرون ابتلعتهم المخدرات والعادات المدمّرة، فصار لهم وجود مادي، لكن بلا قيمة، بلا حضور، بلا أثر.
البعض يعيش لحظات مؤقتة، ويمارس علاقات وقتية سرعان ما تنتهي، فتزول معها جدوى وجوده. فالمهم ليس أن تكون حاضرًا بجسدك، بل أن يكون لوجودك قيمة:
هل أنت موجود بعقلك؟ بروحك؟ بأعمالك التي تترك أثرًا؟
فالإنسان قادر دائمًا أن يجد لنفسه موضعًا في هذه الحياة، لو أحسن استغلال ما يملك.
الوقت مثلًا… حين نفكر كيف نستخدمه، نصبح موجودين فعلًا.
والجمال… عطية من الله. إن تأمل الإنسان جماله كنعمة، ازداد وعيه بجمال خالقه. أما إذا استغل جماله في طريق خاطئ، صار وجود الجمال وبالًا عليه.
والعقل… هو أساس الوجود. من لا عقل له، لا وجود له مهما كان جسده حاضرًا.
الكاتب يبقى بين الناس بما يكتبه من واقع، والطبيب يصنع لنفسه اسمًا بما يقدمه من علم.
كثيرون عرفوا كيف يستغلون وجودهم فأصبحوا علماء، بينما آخرون أضاعوا وجودهم حتى صاروا كأنهم لم يكونوا.
هناك من يملك عقلًا، لكنه يوجّهه للشر، فينشر الأذى بين الناس. هذا ليس وجودًا، بل غيابًا عن الإنسانية.
أما العقل الصالح، فهو عطية من الله: يستخدمه صاحبه ليحل المشكلات، ويحتضن الفرص، ويصنع الخير، فيثمر وجوده بين الناس.
الوجود الحقيقي هو ما يبقى، مهما مرّت السنوات.
فالإنسان هو من يصنع وجوده، لا الزمن.
كثيرون يعيشون على الأرض وهم يتمنّون لو لم يكونوا، لأن أخطاءهم وفضائحهم أفسدت حياتهم وسمعتهم، فصار غيابهم أرحم من وجودهم.
الوجود ليس بالسنوات التي نقضيها، بل بما نتركه من أثر يستمر بعد رحيلنا.
كل شيء على الأرض له وجود، لكن الإنسان وحده قد يسيء استخدام وجوده في أمور لا قيمة لها، فيفقد نفسه.
نسأل الله أن يمنحنا حياة لها وجود… وجود يليق بالإنسان الذي كرّمه الله.