الدكتور جمال شعبان يكتب : أسباب جلطات شباب العشرينيات والثلاثينيات

تتزايد في السنوات الأخيرة ظاهرة خطيرة تتمثل في إصابة الشباب في العشرينيات والثلاثينيات بالجلطات المفاجئة سواء في شرايين القلب أو شرايين المخ، مما يؤدي أحيانًا إلى الوفاة المباغتة دون أي مقدمات واضحة. هذا الأمر أثار قلقًا واسعًا بين الكثيرين، خاصة مع تكرار الأخبار عن إصابة شباب يتمتعون بصحة جيدة ظاهريًا بجلطات حادة تنتهي حياتهم فجأة. لفهم هذه الظاهرة بوضوح، من المهم معرفة معنى الجلطة والسكتة الدماغية والسكتة القلبية والعلامات التحذيرية التي لا يجب تجاهلها.
الجلطة هي كتلة من خلايا الدم تتجمع وتلتصق ببعضها وبجدار الشريان إلى أن تسدّه جزئيًا أو كليًا، مما يمنع الدم من الوصول إلى الخلايا التي يعتمد بقاؤها على هذا الإمداد الحيوي. عند توقف الدم عن الوصول، تتوقف الخلايا عن العمل وقد تموت خلال دقائق. وتكمن الخطورة الأكبر في أن هناك نوعين من الخلايا لا يمكن للجسم تعويضهما مهما طالت المدة أو تطورت العلاجات، وهما خلايا المخ وخلايا القلب، ولذلك فإن أي جلطة تصيب أحد هذه الأعضاء تُعد حالة طبية شديدة الخطورة.
عندما تتكون جلطة في شريان كبير يغذي المخ قد تحدث سكتة دماغية، فتتوقف منطقة واسعة من المخ عن أداء وظائفها، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الوعي أو الشلل أو فقدان القدرة على الكلام، وقد يصل الأمر إلى الوفاة إذا كان الانسداد شديدًا. أما السكتة القلبية فهي تحدث عندما تتكون جلطة داخل شريان تاجي رئيسي يغذي عضلة القلب، وينسد الشريان انسدادًا كاملًا، فيتوقف القلب عن الضخ. وإذا لم يتم إنعاش القلب بسرعة وإذابة الجلطة وتركيب دعامات، فقد تتوقف الدورة الدموية تمامًا وينتهي الأمر بالسكتة القلبية.
ومن العلامات المربكة التي لا يعرفها كثيرون أن ألم البطن قد يكون مرتبطًا بالجلطات، فجلطة الشريان التاجي الخلفي قد تظهر على شكل وجع أو حرقة أو إحساس بالحموضة يشبه آلام المعدة تمامًا. كما أن جلطات شرايين الأمعاء تسبب آلامًا حادة وخطيرة، وقد يؤدي تسلخ أو تمدد الشريان الأورطي إلى تكوّن جلطات بداخله تظهر بآلام شديدة في البطن أو الظهر.
وتبقى التساؤلات حول أسباب إصابة شباب صغار بالجلطات رغم أنهم في عمر يفترض أنه في ذروة الصحة. تتعدد الأسباب والعوامل المؤدية لذلك، أبرزها التدخين بأنواعه، والاستعمال المتكرر والعشوائي للمسكنات، والإفراط في تناول مشروبات الطاقة والمنشطات، وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى وجود تاريخ وراثي لارتفاع الكولسترول والدهون وقابلية التجلط. ولا يمكن تجاهل تأثير ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، وهما من أكثر الأمراض صمتًا وخطورة في سن مبكرة. كما أثبتت الأبحاث أن الإصابة بفيروس كورونا أصبحت من أهم أسباب زيادة معدلات التجلط لأنه في الأصل مرض يصيب الأوعية الدموية ويعمل على زيادة لزوجة الدم وإحداث التهابات داخل الشرايين، مما يجعل الجلطات أكثر احتمالًا حتى بعد التعافي.
وتظهر الجلطات عادة بعلامات تحذيرية يجب عدم تجاهلها. في جلطة المخ تظهر أعراض مثل صداع مفاجئ وشديد، وتنميل أو ضعف في جانب واحد من الجسم، واختلال في درجة الوعي أو صعوبة في الكلام. أما الجلطة القلبية فتبدأ غالبًا بشعور بعدم ارتياح أو ألم في منطقة الصدر، يصاحبه نهجان خفيف، عرق غزير، وثقل واضح في الذراع اليسرى.
وتكمن خطورة الجلطات في أنها لا تنتظر، فالوقت هو العامل الفاصل بين الحياة والموت. الدقائق أو الساعات الأولى تُسمى الوقت الذهبي، وفيها يمكن إنقاذ حياة المريض إذا تم التدخل السريع بالأدوية المذيبة للجلطات أو بالقسطرة سواء في المخ أو القلب. وكل تأخير يزيد من نسبة التلف الدائم للخلايا.
ولا يمكن إغفال تأثير العامل النفسي. فالحزن الشديد والتوتر المستمر والصدمات العاطفية قد تسبب اعتلالًا في عضلة القلب، وقد تؤدي إلى ما يُعرف بمتلازمة القلب المنكسر، وهي حالة تؤثر على انقباض القلب وتشبه أعراض الجلطة وقد تفتح الطريق لتكون جلطات فعلية في القلب أو المخ.
وقد أصبح واضحًا أن فيروس كورونا المستجد يمثل خطرًا كبيرًا على الأوعية الدموية، فهو لا يؤثر على الرئتين فقط بل قد يؤدي إلى جلطات في القلب والمخ والكلى والكبد والرئة، وقد ظهر هذا التأثير في دراسات متعددة أثبتت أن العدوى تزيد من قابلية الدم للتجلط وتحدث التهابات دقيقة داخل الشرايين.
إن فهم كل هذه المعلومات ضرورة لا رفاهية، لأن التوعية قد تنقذ حياة. وحالات الموت المفاجئ بين الشباب ليست قضاءً محتومًا في كثير من الأحيان، بل نتيجة تأخر التدخل أو تجاهل العلامات المبكرة. المعرفة المبكرة قد تكون الفرق بين حياة تستمر وحياة تتوقف فجأة