اكاذيب ترامب .. الاخوان شبكة سرية في امريكا… كيف تحوّلت واشنطن إلى مركز ادارة الجماعات متطرفة؟

على مدى سنوات طويلة، تجنبت الحكومات الأمريكية الإجابة عن سؤال ظل يتردد في أروقة مراكز الأبحاث: كيف تمددت جماعة الإخوان المسلمين داخل الولايات المتحدة إلى هذا الحد؟ ولماذا سُمح لأذرعها بالعمل بحرية تحت أغطية قانونية ومظلات دعوية وتعليمية بينما تشير الوثائق إلى روابط عميقة مع حماس وتنظيمات مصنفة إرهابية؟ اليوم، وبعد قرار ولاية تكساس بتصنيف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” كمنظمة إرهابية، تُفتح ملفات كانت مغلقة لسنوات، وتتكشف شبكة ضخمة بُنيت على مدار عقود، سمح توسعها بأن تصبح الجماعة لاعباً مؤثراً داخل المجتمع الأمريكي.

البداية… صفقة في المكتب البيضاوي

تعود جذور القصة إلى خمسينيات القرن الماضي، حين وصل طارق رمضان، زوج حفيدة حسن البنا، إلى الولايات المتحدة في زيارة غامضة التقى خلالها الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور في المكتب البيضاوي. لم تُكشف تفاصيل هذا اللقاء أبداً، لكن الوثائق المتاحة تشير إلى تفاهمات بين المخابرات الأمريكية وقيادات من الجماعة لتسهيل هجرة الإخوان إلى الولايات المتحدة، التي كانت في ذلك الوقت تبحث عن حليف إسلامي مضاد للنفوذ السوفيتي.

هذه “الصفقة الصامتة”، كما يسميها باحثون في التطرف، فتحت الباب أمام تأسيس عشرات الكيانات التي كان ظاهرها العمل الدعوي والثقافي، بينما كان باطنها إنشاء بنية تنظيمية تمتد داخل الجامعات والمراكز الدينية وتستقطب الشباب.

الجامعات الأمريكية… البوابة الذهبية للتمدد

عام 1963 ظهرت رابطة الطلاب الإسلاميين في إلينوي، وهي المنظمة التي يصفها باحثون بأنها “الحاضنة الوليدة لكل نشاط إخواني في أمريكا”. لعبت الرابطة دوراً مركزياً في تجنيد الطلاب العرب والمسلمين، ونشرت أعمال حسن البنا وسيد قطب في الحرم الجامعي بشكل واسع. ومع الوقت، تحولت الرابطة إلى مصنع لإعداد كوادر تتولى لاحقاً قيادة مؤسسات أكثر تطوراً.

من رحم هذه الرابطة خرجت الجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية التي أصبحت لاحقاً واحدة من أكبر المؤسسات الإسلامية في العالم الغربي. ورغم أنها قدّمت نفسها كمنظمة للحوار بين الأديان، إلا أن وثائق وزارة العدل الأمريكية في قضية مؤسسة الأرض المقدسة أظهرت أن الجمعية كانت على صلة بشبكات تمويل مرتبطة بحماس.

المؤسسات المالية… أوقاف وأموال بلا رقابة

الخطوة الأهم في تمكين الجماعة كانت في السبعينيات حين تأسست “الثقة الإسلامية الأمريكية الشمالية”، وهي الذراع المالية التي تولت إدارة الأوقاف والعقارات والمساجد المرتبطة بالإخوان. هذه المؤسسة، التي ظلت بعيدة عن الضوء لسنوات، أدارت أصولاً بملايين الدولارات، وشكلت العصب المالي الذي اعتمدت عليه بقية التنظيمات في عمليات التجنيد والتوسع.

“كير”… واجهة حقوقية بعمق تنظيمي متطرف

في منتصف التسعينيات ظهر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير”. قدم نفسه كمنظمة حقوقية تدافع عن المسلمين، لكنه — وفق تحقيقات فيدرالية — كان امتداداً مباشراً للجنة فلسطين التابعة للإخوان، وهي اللجنة التي تأسست خصيصاً لتوفير الدعم السياسي والإعلامي لحركة حماس داخل الولايات المتحدة.

عندما بدأت السلطات الفيدرالية عام 2008 محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة بتهمة تمويل الإرهاب عبر تحويل 12 مليون دولار لحماس، ظهرت وثائق صادمة تكشف دور “كير” في التنسيق مع قادة اللجنة وأذرع التنظيم. وعلى إثر هذه الأدلة، أوقف مكتب التحقيقات الفيدرالي التعاون مع “كير” بين 2008 و2013، بعد رصد صلات مباشرة بين قياداتها وعناصر داعمة لحماس.

ورغم كل ذلك، واصلت “كير” توسعها حتى أصبح لها 30 فرعاً في أنحاء البلاد، وحصلت على نفوذ داخل الإعلام والجامعات وبعض الدوائر السياسية، قبل أن تتعرض لزلزال سياسي في نوفمبر 2025.

تكساس تفجّر المفاجأة: “كير” منظمة إرهابية

في 18 نوفمبر 2025 أصدر حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت قراراً غير مسبوق يصنف “كير” كمنظمة إرهابية أجنبية وعابرة للجريمة، ويمنح سلطات الولاية حق إغلاق مكاتبها وتجميد ممتلكاتها ومنعها من شراء أراضٍ جديدة.

القرار استند إلى ملفات أمنية تشير إلى نشاط “كير” في دعم ما يسمى “الجهاد الحضاري”، وهو مشروع إخواني يسعى إلى التغلغل داخل المؤسسات الأمريكية عبر واجهات تبدو معتدلة بينما تعمل في العمق على تحقيق أهداف سياسية ودينية متطرفة.

“كير” نفت الاتهامات فوراً واتهمت الولاية بـ”العنصرية والإسلاموفوبيا”، لكن الوثائق التي ظهرت في القضايا السابقة تجعل موقفها ضعيفاً أمام الرأي العام.

أذرع أخرى… من المدارس إلى الإعلام إلى التمويل الخارجي

يتجاوز النشاط الإخواني حدود “كير” ليشمل مؤسسات أخرى مثل المجتمع الأمريكي المسلم الذي يملك شبكة مدارس ومراكز شبابية تُستخدم — بحسب تحقيقات استقصائية — في تجنيد شبان جدد وإعادة إنتاج الفكر القطبي بصور مخففة. وهناك معهد الفكر الإسلامي الدولي الذي يقدم نفسه كمركز بحثي، لكنه يعمل على نشر منهج سيد قطب وإعادة صياغته بلغة أكاديمية، بالإضافة إلى الاتحاد الإسلامي لفلسطين الذي لعب لسنوات دوراً إعلامياً في دعم حماس وتبنّي خطابها السياسي.

أما الإغاثة الإسلامية الأمريكية فقد ارتبط اسمها بتقارير دولية تُشير إلى شبهات تمويل ميليشيات مسلحة في سوريا وغزة، رغم نفيها المتكرر لأي علاقة.

شبكة واحدة… هدف واحد

عبر التدقيق في السجلات الرسمية، يتضح أن هذه المنظمات ليست كيانات مستقلة بل أجزاء متصلة من شبكة واحدة تتبع البنية التنظيمية للإخوان. تعمل بشكل متوازٍ عبر:
• مراكز تجنيد في الجامعات
• أذرع مالية لإدارة الأموال
• واجهات إعلامية وسياسية للتأثير
• مؤسسات “خيرية” لتغطية التمويل
• خطاب ناعم موجه للمجتمع الأمريكي
• خطاب تعبوي متطرف موجّه للداخل

هذا الأسلوب المزدوج هو ما وصفته مذكرات أمنية أمريكية بأنه “نشاط إرهابي ناعم” يجري تحت غطاء مؤسسي يصعب كشفه.

الخلاصة: كيف ستواجه أمريكا الشبكة التي بنتها بيدها؟

قرار تكساس ليس سوى الخطوة الأولى في معركة قد تمتد إلى مستويات فيدرالية، خصوصاً بعد تصريحات ترامب التي صنّف فيها الإخوان جماعة إرهابية. لكن الإشكالية الكبرى تكمن في أن هذه الشبكات لم تتسلل فجأة، بل نشأت برعاية أمريكية منذ ستة عقود، وتغلغلت داخل المؤسسات التعليمية والإعلامية والمالية حتى أصبحت جزءاً من المشهد الإسلامي الأمريكي.

التعامل مع هذه البنية المعقّدة سيكون اختباراً حقيقياً للولايات المتحدة: هل تتجه نحو تفكيك الشبكة؟ أم تسمح لها بالاستمرار تحت غطاء الحريات الدينية؟

التحقيقات الجارية في واشنطن وتكساس قد تكشف المزيد. لكن المؤكد الآن أن الإخوان في الولايات المتحدة لم يكونوا يوماً مجرد جماعة دينية، بل شبكة إرهابية نشطة استطاعت أن تعمل داخل أكبر دولة في العالم دون أن تُكشف أوراقها كاملة… حتى اليوم

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى