أسوان الطيبة تستقبل البابا تواضروس… رحلة محبة تعبر صعيد مصر

بقلم- صموئيل العشاي:
تستطيع أن تقول بثقة إن المخزون الحضاري لمصر ينبض بأقوى صوره في محافظات الصعيد العامر؛ فكلما اتجهت جنوبًا، ازداد الثراء الإنساني، وظهرت الشخصية المصرية الأصيلة بوضوح أشد، كأن الجذور كلما غاصت أعمق، ازدادت الأرض صلابةً وكرامةً ودفئًا.
أسوان… محافظة الخير والضوء، المحافظة التي أحبها السير مجدي يعقوب، واختارها من بين كل مدن العالم ليقيم فيها واحدة من أهم التجارب الطبية المجانية في تاريخ الإنسانية. لم يكن اختياره مصادفة… فحفاوة الأسوانيين لا تُقدّر بثمن، وقلوبهم كانت وما زالت تحمل ما يكفي لاحتضان مرضى مصر جميعًا، فيتلقّون العلاج بين جنبات مدينة تشع محبة وسلامًا.
واليوم… تتجه الأنظار إلى هناك، حيث يزور البابا تواضروس الثاني أرض الطيبين. أقصد أهل أسوان—مسلمين وأقباطًا—الذين سيستقبلون قداسة البابا، الحبر الأعظم، رمز المسيحية في الشرق الأوسط، ووجهًا من وجوه الريادة الروحية والحضارية للعالم كله. هنا… في مصر، أرض السلام، تتجسد المعاني لا في الكلمات، بل في المشاهد التي تكتبها لقاءات القلوب قبل لقاءات الأيدي.
البابا المتواضع البسيط لم ينسَ حفاوة أسيوط يومًا. تلك الزيارة التي شكّلت واحدة من أجمل محطات جولاته في الصعيد. أسيوط—المحافظة التي قاومت عبر تاريخها؛ تصدت للفرنسيين والإنجليز ومن قبلهم المماليك. صعيدية الوجه، قوية القلب، شامخة كالجبال التي تحيط بها. استقبال أهلها لقداسته كان مشهدًا مهيبًا ترك أثرًا غامرًا في قلب البابا… أثرًا سيحمله معه وهو يخطو اليوم نحو أسوان، التي ستكون بلا شك أكثر فرحًا، وأكثر احتفاءً، وأكثر إشراقًا.
إن مثل هذه الزيارات ليست مجرد جولة لرجل دين يلتقي شعبه ويطمئن على رعيته. في الصعيد تحديدًا، هي رسائل قوية تُرسل إلى من يحاول زرع الشر والفرقة، وإلى كل من يعمل ضد مصالح الوطن. إنها رسائل تقول بوضوح: هذا وطن واحد… شعب واحد… قلب واحد… لا تهزه الفتن ولا تفرقه الرياح مهما اشتدت.
أهلاً بقداسة البابا تواضروس في أسوان وأسيوط… أهلاً في أرض النيل والصخور القديمة والقلوب التي لا تعرف إلا المحبة.
وأتمنى أن تحظى المنيا—درة الصعيد ومفتاح تاريخه—بالنصيب الأكبر من زيارة قداسته. فالمنيا تحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل والدعم المعنوي، وتحتاج قبل كل ذلك إلى رسائل الوحدة الوطنية التي تعيد لتلك الأرض دفئها وإشراقها