صموئيل العشاي يكتب : المخابرات العامة: صناع النصر وحراس الوطن المخلصون

تتفرد المخابرات العامة بتاريخ عريق من صفحات النضال الوطني، فهي لم تُولد كجهاز إداري أو أمني عابر، بل خرجت من رحم المقاومة نفسها. نشأت كوحدة نضالية صلبة في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، حين نزل الرعيل الأول من ضباطها إلى الساحات بأنفسهم، يحملون الأرواح على الأكف، ويقودون العمليات بصدورهم قبل عقولهم. كانت انتصاراتهم على أكبر جيش في العالم آنذاك تُروى كحكايات عظمة، تجسدت بعض ملامحها في مسلسلات التسعينات، لكنها بقيت كجمر تحت الرماد… لم تشر صراحة إلى أن هؤلاء الأبطال كانوا ضباط المخابرات العامة تحديدًا، وأنهم هم من أداروا هذه المعارك المذهلة من وراء الستار.

ويقف في قلب هذه الملحمة اسمٌ لا يُمحى: العظيم محمد فايد، أطال الله عمره. وقف إلى جوار عبد الناصر وقفة الرجال، واقتحم القشلاق الإنجليزي – ذلك الأرشيف البريطاني المنيع – وانتزع منه مراسلات ووثائق قلبت موازين التفاوض لصالح مصر. كانت هذه الوثائق سلاحًا سياسيًا حاسمًا في معركة الإجلاء، وركنًا صلبًا في مسيرة طرد آخر جندي بريطاني من أرض الكنانة. يومها ساندت المخابرات عبد الناصر بإيمان لا يتزعزع، وهو بدوره آمن برجالها الأبطال واستند إلى أخلاقهم وصلابتهم.

آمنت المخابرات بثورات التحرر الوطني في أفريقيا، ووقفت إلى جوار شعوب تبحث عن هوية وكرامة. دعمت، درّبت، ساندت… فبادلتها تلك الشعوب الوفاء، ونصبت لناصر تماثيل شاهدة في ميادينها، اعترافًا بدور مصر ورجال مخابراتها في تحريرهم من ربقة الاستعمار.

وبعد نكسة ٦٧، حين ظنّ العدو أن مصر انكسرت، كان رجال الجهاز يخوضون معركة من نوع آخر: معركة المعرفة. اخترق الأبطال أكثر الملفات سرية في الجيش الإسرائيلي، وأسس البطل القومي الكبير اللواء محمد رشاد – ومعه رفاقه من الأبطال – غرفة معلومات جعلت إسرائيل كتابًا مفتوحًا أمام القيادة المصرية. عرفوا تسليحه، خططه، ثغراته… وناوروا العدو حتى صار النصر حقيقة تتلألأ على ضفاف القناة.

ثم جاءت اتفاقية كامب ديفيد، وتلتها مئات المواقف والمهام التي لو جُمعت لاحتاجت إلى مجلدات. ظل الجهاز يلعب دور “الصياد” الذي يطارد الشر حيثما اختبأ، يبحث خلف الثعابين، يفكك شبكات الفساد والخيانة، ويعيد هندسة عقول الأشرار بحيث تتحول أفعالهم – بوعي أو بغيره – لخدمة مصالح الدولة المصرية. إنها مدرسة فكرية كاملة في الحروب الخفية.

وأنا أتابع المشهد الانتخابي اليوم، أرى ما يدفع للقلق: تحركات أفاعٍ، أموال تهطل بلا أصل، فاسدون يتسللون، وغسيل أموال يرتع في الظلام… ظنونٌ تثور بداخلي كصحفي، وقراءة أعرفها من تاريخ وطني الذي لا يخدعني. فأقول لرجال المخابرات: أنتم الذين لم تتأخروا يومًا عن حماية هذا الوطن… إن ما يحدث الآن يحتاج إلى يقظة حاسمة، وإلى تدخلات تقطع الطريق على كل من ظن أن مصر ساحة مستباحة.

المرحلة تناديكم… والأمل معقود عليكم. في ظل تراجع بعض الحراس وغياب من يحمل المشاعل، يبقى أنتم من يتقدم، وأنتم من يضيئون الطريق أمام شعبنا العظيم.

دمتم حراسًا أشاوس لهذه الأرض الطيبة… لشعبها الأبي، المقاوم، الذي يرى فيكم خط الدفاع الأخير.

عاشت مصر مستقلة قوية… وعاشت مخابراتها وجيشها وشرطتها درعًا وسيفًا.
تحيا مصر… تحيا مصر… تحيا مصر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى