رانيا يوسف تكتب: بنات الباشا عالم نسائي يهدم سلطة الرجل

ينطلق الفيلم بنات الباشا كعمل مقتبس من رواية نورا ناجي، لكنه يعمل ككيان مستقل يحافظ على أصالة النص دون الدخول في تفاصيله الكلية. يعيد العمل تقديم الشخصيات من منظور جديد ويكتفي بالاستلهام من جو الرواية بدلاً من التكرار المطلق. يهدف إلى تقديم تجربة متماسكة تتلامس مع الرواية دون فقدان كرامتها. عرض الفيلم ضمن مهرجان القاهرة السينمائي في دورته السادسة والأربعين يؤكد ارتباطه بالمصادر الأصلية مع إشراعه كعمل مستقل.

الكوافير كفضاء اجتماعي مغلق

الكوافير كفضاء اجتماعي مغلق يعرض العلاقات المعقدة بين النساء داخل صالون التجميل ككيان واحد. تتجمع الشخصيات حول صراع واحد هو الخوف من فقدان السيطرة والغيرة، وتظهر نادية كمرشدة تمنع كل محاولة انتحار وتدفع إلى مراجعة النفس. تجسد جي جي، التي تؤديها زينة، الانحدار إلى الهاوية عندما تواجه أمام نفسها صورتها كامرأة متزوجة وليست بسبب علاقة محرمة. نهلة المغنية المولودة للأفراح والكرامة المفقودة تتأثر بسؤال بسيط من نادية فيفتح جرحاً ظل مطموراً. تواجه ياسمين السورية اللاجئة خياراً يفرض عليها بيع أنوثتها وكرامتها لمن يدفع.

يتعامل السيناريو مع مسألة المثلية بشكل عابر، كأنه يحافظ على الحذر أمام الرقابة أو المحظور. يترك الخيط الرئيسي للدراما للنساء، ويكشف هشاشة البنية الاجتماعية من دون منح الرجل مركزاً في تطور الأحداث. يبقي موت نادية كطقس تطهيري يفتح باباً لإعادة التفكير في الحياة بالنسبة لبقية الشخصيات. تبدأ الأحداث من خلفية تفجيرات طنطا في 2017 كإطار زمني يضيف صدى للصدمة الوجودية أكثر من كونه محوراً سياسياً.

فلك التي خرجت عن النص

فلك سيدة سبعينية تقرر ارتداء فستان زفاف والتجول به في الشارع بحثاً عن تعبير عن مشاعر مكبوتة، لكنها لا تجد الحرية الكافية للتعبير في مجتمع باتت فيه الرتابة جزءاً من بنائه. تسخر منها نساء الكوافير وتتواجه مع المستنقع الذي يلف الشارع بالخراف، حتى تصبح ضحية فشل المجتمع في الاعتراف بالأنوثة. كانت فلك رمزاً لفشل المجتمع نفسه في تمكين الفرد من عيش ذاته، وتجسد مشهدها مقاومة بسيطة داخل بوتقة الكوافير. هي نموذج لمدرسة الرسم التي عاشت أحلامها على الورق دون أن تعيشها على الأرض وتُظهر كيف يحرم المجتمع الفرد من تحقق ذاته.

رجل الكوافير، صاحب العلاقات النسائية المتعددة، يؤديه أحمد مجدي ويبدو كنسخة كرتونية بلا عمق عاطفي يمنحها بهجة سطحية. يمثل الشخصية الذكورية الحديثة التي تتباهى بالمظهر دون أن تحمل عمقاً أو تأثيراً حقيقياً في الحياة اليومية. يظل مركزية النساء في السرد قائمة، ويكشف الفيلم هشاشة هذا النوع من السلطة من دون السماح للرجل بقيادة الحدث. المظهر والبلاغة لا يتركان سوى تساؤل حول من يقود الفلك الاجتماعي في الواقع.

بنات الباشا يعيد تمركز المرأة في سرد حكاياتها بذاتها، متمسكاً بمسار العلاقة بين النساء ومواجهتهن للذات. يطرح الفيلم سؤالاً مفتوحاً حول قدرة النساء على التوافق مع ذواتهن قبل أن يغفر المجتمع اختلافها. يظل العمل واضحاً ومتماسكاً من حيث السرد والتأثير الاجتماعي، دون إضافة خارجية أو آراء شخصية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى