في ذكرى الثالثة لرحيل مفيد فوزي: أسرار لم تُنشر عن علاقته بسناء جميل

بقلم صموئيل العشاي :
يعرف الجميع مفيد فوزي (1933-2022) كمحاور جريء وصحفي لا يهاب الأسئلة الصعبة، الذي غيّر وجه الإعلام المصري من خلال برامجه الشهيرة مثل “الليلة الكبيرة” و”علي النيل”، حيث كان يجمع بين الاحترافية والعمق الإنساني. لكن قليلون يعرفون جانبًا آخر من شخصيته، وهو انبهاره العميق بعقلية الممثلة سناء جميل (1930-2002)، التي لم يكن اهتمامه بها مجرد إعجاب سطحي بأدائها الفني أو حضورها الساحر على الشاشة، بل تقديرًا حقيقيًا لعقلها الناقد ومنهجها الفلسفي في التفكير والفن، الذي جعلها رمزًا للجرأة الفكرية في عصر كانت فيه المرأة تواجه قيودًا اجتماعية وثقافية صارمة.
ما يجعل العلاقة بينهما فريدة هو التقارب الفكري والاجتماعي الذي يتجاوز المهني؛ فهو من بني سويف، حيث ولد في 19 يونيو 1933 لأسرة بسيطة – والده موظفًا في وزارة الصحة ووالدته ربة منزل – علّمته قيم التواضع والأخلاق منذ الصغر، قبل أن ينتقل إلى القاهرة ليبدأ مسيرته الصحفية في جريدة روز اليوسف ثم صباح الخير ثم الإذاعة المصرية.
أما هي، فمن مركز ملوي في محافظة المنيا، ولدت في 27 أبريل 1930 لأسرة مسيحية صعيدية متدينة، تركتها في مدرسة داخلية فرنسية في القاهرة لتتعلم الاستقلال مبكرًا، قبل أن تتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1953 وتواجه رفض أسرتها الشديد لدخولها عالم الفن، معتبرينه “ابتذالًا” يتعارض مع قيمهم التقليدية.
كلاهما نشأ في طبقة بسيطة صعيدية علّمتهما القيم والأخلاق والتواضع، لكنهما اختارا مسارات مختلفة: هي رفضت العروض السياسية والاجتماعية لتبقى مخلصة لفنها، بينما هو غاص في الإعلام والصحافة، لكن العقلية الواعية والحرية الفكرية كانت العامل المشترك الذي جذب بينهما، كما يتضح من لقاءاتهما المتكررة التي امتدت لعقود.
كان مفيد فوزي يعترف صراحةً أنه لم يكن معجبًا بصوتها أو أدائها المسرحي فحسب – رغم إعجابه بأدوارها الرئيسية في أفلام مثل “الأرض” و”الزوجة الثانية”، حيث جسّدت الثورة والقوة الأنثوية – بل بجرأتها على التفكير المستقل في زمن كان فيه التفكير “رفاهية ذكورية”، كما وصفها هو نفسه في إحدى لقاءاته.
في لقاء شهير في بيتها عام 1980s، حيث اقتحم فوزي خصوصيتها ليحاورها أثناء غسلها للأطباق، وصفها بأنها “ست بيت قبل أن تكون فنانة”، مشيدًا بعفويتها وتواضعها الذي يعكس فلسفتها في الحياة: “الفن ليس شهرة، بل فلسفة تعيشها يوميًا دون تكلف”.
وفي لحظة طريفة أخرى، رمى فوزي قشر لب على الأرض أثناء الأكل، فانتقدته سناء بلطف قائلة: “الأرض ليست سلة قمامة”، فتعلم منها درسًا أخلاقيًا في الاحترام للمحيط، قائلًا لاحقًا: “غضبها دائمًا كان فكرًا قبل أن يكون انفعالًا، وهي تعرف كيف تقول ‘لا’ للتيار دون أن ترتجف”.
لم يكن هذا الإعجاب عاطفيًا – ففوزي كان متزوجًا وسعيدًا بحياته الأسرية – بل كان عشقًا لعقلها ومنهجها؛ لم يسعَ لقربهما اجتماعيًا خارج الكاميرا، لكنه قدّر وجودها كرمز للفكر الراقي في المشهد الفني، خاصة في سياق رفض أسرتها لها، الذي جعلها تتمرد بوعي فلسفي يجمع بين الروحانية المسيحية والنقد الاجتماعي.
كان يراها مثالًا نادرًا لـ”الجرأة بلا ابتذال، والاحترام بلا مجاملة، والفن القائم على القيم والموقف والوعي”، كما روى في مقابلة مع “آخر النهار” عام 2021، حيث حكى مواقف نادرة تكشف عن ذكائها الذي “غلب عفويتها”، وكيف كانت ترفض التنازل عن مبادئها حتى في وجه ضغوط السينما.
تلك العلاقة تكشف الكثير عن عبقرية مفيد فوزي نفسه؛ فالرجل الذي بدأ كلاعب كرة قدم في شبابه قبل أن يصبح “المحاور الأعظم”، لم يكتفِ بطرح الأسئلة الصعبة على ضيوفه مثل جمال عبد الناصر أو أم كلثوم، بل كان يقدّر الذكاء والفكر والنقد العميق أينما وُجد، معتبرًا أن “القدرة على الاحترام والتقدير للفكر المتأمل جزء من عظمة المحاور”.
في ذكرى الثالثة لرحيله – الذي رحل في 4 ديسمبر 2022 بعد صراع مع المرض عن 89 عامًا – يبقى مفيد فوزي رمزًا للحوار الراقي والفكر النقدي، ولحبه لعقول تُفكر قبل أن تُعرض، ولقدرته على تمييز العمق الفكري في كل ما يراه من حوله، سواء في استوديو تلفزيوني أو في بيت بسيط يغسل فيه صاحبه الأطباق.
علاقته بسناء جميل ليست مجرد إعجاب بشخص، بل احتفاء بالعقل والفلسفة في الفن والحياة، وهو درس في عبقرية المحاور الذي عرف كيف يقدّر الفكر قبل المظاهر. رحل مفيد فوزي، لكن بقي السؤال يتردد في أذهاننا، وبقي الاحترام للفكر المنير، وبقيت عبقريته التي تلتقط أعظم العقول وتحتفي بها إلى الأبد، كما في تلك اللقاءات التي لا تزال تُعاد مشاهدتها اليوم كشهادة على عصر ذهبي للإعلام والفن المصريين.