صموئيل العشاي يكتب: متى يتم تصنيف فكر الإخوان كمنظومة إرهابية؟

نتابع اليوم – بارتياح لا يخلو من التحفّظ – قيام عدد متزايد من الدول بإعلان جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، وهذا بلا شك خطوة مهمة وضرورية أمنيًا وسياسيًا، لكن السؤال الحاسم الذي يجب أن يُطرح هو: هل يكفي تصنيف التنظيم؟ أم أن الخطر الحقيقي يكمن في الفكر لا في اللافتة؟ فالحقيقة التي أثبتتها التجربة أن الجماعات لا تُولد من فراغ، بل من فكر مؤدلج يبرر العنف، يغلفه بالدين، ويمنحه المشروعية، والجماعة قد تُحلّ وتُحظر وتُطارد، لكن الفكر يبقى ما دام لم يُسمَّ باسمه ولم يُواجه بمنهجيّة.

إن خطورة المشروع الإخواني لا تكمن فقط في السعي للسيطرة على الحكم، بل في التحلل من مفهوم الدولة الوطنية نفسها، فالفكرة المركزية في أدبياتهم تعتبر التنظيم كيانًا فوق الدول، وأوسع من الحدود، وأعمق من الانتماء القومي، إذ يتعامل مع الأمة باعتبارها أراضٍ مفتوحة “تحت الانتظار السياسي”، ويضع حكومات العالم العربي في خانة “الند” لا “الوطن”. هذه ليست خلافات سياسية عابرة، بل مصفوفة فكرية تمتد من “السمع والطاعة” إلى “التمكين” وصولاً إلى سقوط الدولة وصعود الجماعة؛ وعندما ترى الجماعة أنها مشروع بديل لا جزء من داخل الدولة، يتحول الفكر إلى مقدمة حتمية للصدام.

ولعل ما يكشف عمق الخطر هو مفهوم “أستاذية العالم”، ذلك الشعار الذي يبدو روحانيًا في ظاهره، لكنه في الحقيقة إعلان مشروع سيادة سياسية وأممية تتغذى على فكرة التكليف السماوي بتغيير العالم، أي أنها تمنح نفسها حقًا أعلى من حق الدول والشعوب والقوانين. فإذا كانت الدولة الوطنية هي سقف المواطنة، فإن فكر الإخوان سقفه “الحاكمية” كما يفهمونها، أي حكم الجماعة باسم الدين وليس حكم الشعب بقوة الدستور.

لذلك فإن تصنيف التنظيم وحده قد يمنع نشاطًا أو يحاصر تحركات، لكن تصنيف الفكر ذاته هو الإجراء الأكثر تأثيرًا؛ فالتنظيم قادر على تغيير الاسم والواجهة وتغيير الشعار، لكن الفكر — ما لم يُسمَّ — يستمر ويتوارث ويتخفّى. إن مواجهة هذا الفكر تتطلب إجراءات واضحة تُجفف مسارات التمويل الإعلامي والاقتصادي التي ترتدي عباءة الدعوة، وتمنع إنتاج خطاب يُفكك الدولة الوطنية، وتمنح التيارات الوطنية والقومية مساحة لخلق مناعة مجتمعية ضد التجنيد الفكري، حماية للأجيال الجديدة من إعادة تدوير نفس الخطر بأدوات جديدة وأسماء مختلفة.

إن المعركة مع جماعات العنف ليست أمنية فقط، بل فكرية بالأساس. فالمواجهة الأمنية تحاصر الأذرع، لكن المواجهة الفكرية وحدها تسقط الأسطورة وتجفف التبرير وتعيد الدين طاهرًا من الاستغلال السياسي. فالخطر ليس فقط في من يحمل السلاح، ولكن في من يحمل الخطاب الذي يجعل حمل السلاح فرضًا، والانقلاب عبادة، وإسقاط الدولة طريقًا للخلاص. باختصار، لن تُهزم التنظيمات إلا إذا سقطت الأفكار التي أنجبتها، وربما حان الوقت للانتقال من مرحلة إعلان: “الإخوان تنظيم إرهابي”، إلى المرحلة الأهم: “فكر الإخوان.. فكر إرهابي”. وعندها فقط تصبح المواجهة شاملة، عادلة، وقادرة على حماية الدولة من إعادة تدوير نفس التهديد تحت مسميات جديدة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى