طردتها دار إيواء شهيرة بعد تعذيبها .. واحتضنها أهالي المطرية الجدعان
زعمت صاحب الدار جنونها لتشريدها.. وأعادتها للدار ثم طردتها من جديد قبل عمليتها الجراحية
تزوجت 3 مرات.. أحدهم تسبب في قفزها من الدور الثالث خوفا على نجلها
بقلم – مصطفى مكي:
في كنف أحد المساجد بالمطرية يعرف باسم مسجد الأنصاري، وجدت أسماء، بطلة القصة اليوم.
فتاة مليئة الجسد، ملطخة بالتراب في جميع أجزاء جسمها، مهذبة الخلق، صامتة الحس، لا تسأل الناس شيئا بل تسأل الله فيرسل لها رزقها من طعام تأكله وتستمع به وسط ركام من القمامة صنعته بنفسها لنفسها.
وأثناء صلاة العيد في أكبر ساحات المطرية ووسط الألاف من المصلين المحتفلين بعيد الفطر، فوجئت كما فوجيء كل المصلين بصوت الشيخ محمد شكري يتحدث عن موضوع بخلاف الخطبة، والموضوع هو تلك الفتاة أسماء، حيث أخبرنا أنها ملقاة أمام باب المسجد منذ أكثر من اسبوع، وساعدها الأهالي بفضل شهر رمضان الكريم ووفروا لها فطارها وسحورها ومدفأها من البطاطين والألحفة حتى تقاوم الأيام الأخيرة قارصة البرودة من فصل الشتاء.
جمع لها المصلين ما جمعوا وأعطوها لجيران الفتاة في المنطقة ولكن الأمر لن يحل هكذا فهي لا تزال بلا مأوى وأمام مدخل مسجد مهم، هكذا فكر الشيخ محمد فنصحه المصلون بالتواصل مع صحفي المنطقة مصطفى مكي، فتواصل مع العبد الفقير إلى الله لمساعدتها ومن هنا بدأت مغامرة صحفية من أمتع المغامرات التي خضتها في حياتي.
أخبرني الشيخ محمد بأن الفتاة لم يستدل على أهلها وأنه يتمنى مساعدتها بدلا من التعرض للبهدلة على حد وصفه، فسارعت فورا بالاتصال بوزارة التضامن الاجتماعي لمساعدتها والبحث عن مأوى لها وخاصة في ظل الجهود الجليلة والعظيمة من الدولة المصرية لدعم المنظمات التي تأوي المشردين.
ولم تقصر وزارة التضامن بكل قياداتها معي بعد اتصالي وارسلت لي فرقة تدخل سريع بقيادة الأستاذ عادل الهواري لحل مسألة أسماء رغم أجازات عيد الفطر، ومن ثم تم تحويلها لمستشفى عين شمس العام لكتابة تقرير طبي كامل عنها، ومن ثم عمل محضر استلام للحالة، وأخيرا ايداعها في أحد دور إيواء المشردين.
وهنا نوجه الشكر لوكيل أول وزارة ومدير مديرية الصحة في القاهرة الدكتور محمد شوقي، ومدير مستشفى عين شمس العام الدكتور طارق العريني على حسن تعاونهم معنا وتوفيرهم كل سبل المساعدة لأسماء أثناء كتابة التقرير الطبي الخاص بحالتها والذي كنا نتمنى أن نسرع في الانتهاء منه حتى تتسرع إجراءات نقل أسماء إلى دار ترعاها بدلا من وجع الشارع وألمه.
وجاءت الصدمة أثناء كتابة التقرير الطبي الذي عانينا في كتابته لظروف الأجازات الإدارية المتواجدة، حيث كشف التقرير عن حروق تعرضت لها أسماء تلك الفتاة البريئة التي دمرتها الظروف وأسكنتها الشارع تاركة صدمة عصبية في قلبها وعقلها.
وبعد الجلوس قليلا مع أسماء التي لا تزال تملك عقلا لم تطيره الأزمات وقلب مليء بالحيرة والتشتت، أخبرني فريق إدارة التدخل السريع بما أخبرتهم به وصورته بالفيديو للتوثيق حيث قالت أنها كانت في دار إيواء شهيرة بمدينة بدرة تقودها سيدة خير من أشهر سيدات المجتمع في مجال إيواء المشردين.
التقفتها الدار من الشارع وأودعتها مسكنها لديهم، ولكنها فوجئت بعد وصولها للدار بتعامل شديد الصعوبة لم يعجبها فأدخلها في أزمات مع أصحاب الدار فلم تتوقع العقاب أن يكون الضرب ثم الحرق بالنار كما هو مبين في التقرير الطبي، ليس هذا فحسب بل الطرد إلى الشارع مرة أخرى بعد أن ملت الدار من التعامل معها على الرغم من أن هذا الجانب المظلم لا يركز عليه أحد في الإعلام بالمقارنة بالجانب الخيري لهذه الدار وصاحبتها الموجود على كل صفحات الميديا والسوشيال ميديا، لماذا لا يذكرون أن هناك عقوبات بهذه القسوة في الأماكن التي تتغنى بالرحمة؟، الحرق ثم الطرد في الشارع عقوبتان من أشد العقوبات فلا يحرق بالنار إلا رب النار، ولا يؤلم أي متشرد إلا العودة للتشرد بعدما اعتاد دفء البيت.
لم أصدق أسماء في البداية لشكوكي في قواها العقلية والتي اختفت هذه الشكوك بالحديث معها وإخباري بتفاصيل التفاصيل التي حدثت معها في الدار بداية من مقابلتها في الشارع واحتواءها وتصويرها واستغلال تعاطف الناس معها لجمع التبرعات لدعم حالتها وحالات من يشابهونها وحتى الطرد من الدار بعد تعذيب شديد وصل إلى حد الحرق.
تواصلت مع الدار المذكورة وصاحبتها الشهيرة وطالبت لقاءها ليس لأحاكمها على ما قالته أسماء بل لبحث مساعدتها لإعادة أسماء تلك البنت التي لم تكمل الثلاثين من عمرها إلى الدار التي تملكها.
كانت البداية وردية واللقاء طيب حتى رفضت أن تصور مع أسماء مرة أخرى لتبرأة ساحتها من اتهاماتها التي شغلت الرأي العام حول فتاة اهتم لحالها أهل المطرية جميعها داعمين لها ومتابعين حالتها، وبدأت الابتسامات تتحول إلى خلافات مع سيدة الخير الشهيرة وصلت إلى حد لا أحب أن أذكره الان ليس معها فقط بل ومع زوجها أيضا الذي يشاركها في أعمالها الخيرية.
ومن هنا بدأت أثق في حديث أسماء دون رغبة في خوض معركة مع الدار وصاحبتها بل برغبة وحيدة لإنقاذ هذه الفتاة وترك المشاكل الأخرى الجانبية لوقت آخر.
جلست مع أسماء وسمعت قصتها الطويلة رغم عمرها البسيط، بداية من زواجها برجل ذو مكان مرموق وإنجابها منه ثم وفاته، مرورا بزواجها بآخر وفشل علاقتها معه بسبب إصابتها بالمس والسحر كما تردد وصلت إلى حد أنها قفزت من الدور الثالث رعبا، وبعد كل هذا العذاب سرق زوجها هذا شقتها وذهبها وهددها بابنها إذا تحدثت ضده بكلمه، وأخيرا ذلك الزوج الذي تزوجها دون علم أهلها وجعلها تساعد والدته في أموال التسول والشحاتة، قصة مؤلمة لا يزينها سوى ابن بعيد كل البعد عن مأسي أمه يعيش حياته بمعاش والده ويتعلم ويدرس ويكبر، ولهذا لا تزال أسماء ترغب في الحياة كما قالت لي فقط لتستمتع بنفس ابنها الوحيد في الدنيا ونجاحه.
قصة مؤلمة حولت فتاة في مقتبل عمرها من زوجة وأم إلى متسولة يعتقد من يراها أنها مجنونة، وهنا فسرت الأزمة النفسية التي تعاني منها والتي لم تفقدها عقلها ولكنها افقدتها شغفها في الحياة فظهرت لمن يراها من بعيد بأنها فاقدة لعقلها، وهو الأمر الذي كانت بسببه تزعم صاحبة الدار أنها بريئة وأن أسماء مجنونة ترى خيالات لا أساس لها في الواقع، وهذا ما سأثبت لحضراتكم عكسه في السطورة القادمة.
بسبب ظروف العيد لم نجد دار تستقبل أسماء، وبسبب التقرير الطبي وأحاديث أسماء عما تعرضت له وتداوله في الإعلام، أصبحت كل دار تضع العديد من علامات الاستفهام حول هذه الفتاة، فأصبحت أسماء بلغة الشارع في “أرابيزي” أنا وكل أهالي المطرية الذين تصدوا لحالتها.
جمعت من أصدقاءي إبراهيم صبحي والمهندس طارق علي وحمدي رزق بعض الأموال، وبدأت رحلة البحث عن شقة لها لتأويها ، ولنأجر سيدة ترعاها وخاصة أن أسماء لا تتحكم في البول والبراز وكذلك مصابة إصابة شديدة في قدمها تجعلها لا تستطيع المشي ولا الوقوف وخاصة في ظل وزنها الكبير.
ومن هنا تجلى جمال وعظمة أهالي المطرية الجدعان الذين تولوا رعاية هذه الفتاة طوال فترة وجودها في شقة المطرية، أستاذ محسن الجندي الذي تكفل بلبسها، وأم سيف التي تكفلت بإحضار وجبة يومية لها ومتابعتها المستمرة على مدار ما يقرب من شهر، وكذلك أبو يوسف صاحب محل البقالة الذي كان لا يتركها في حاجة لأي شيء، وكذلك إسلام الذي تولى حملها للخروج في الشارع على العجلة كلما أرادت أن تستنشق هواء نقي، وكذلك خالد مصطفى المكوجي الذي تولى غسيل ملابسها وبطاطينها التي تتسخ بسبب عدم تحكمها في البول والبراز دون أن يأخذ مليم واحد.
أسماء كثيرة رائعة ومحترمة قد أكون نسيت بعضها كانت خير سند لأسماء المريضة القعيدة والحزينة والتي تحتاج لمساعدة جميع الأيادي الممدودة لها.
بدأت تحركاتي لإنقاذ أسماء وسط حملة هجوم شرسة من صاحبة الدار على السوشيال ميديا والتي وصلت إلى حد محاولة اختراق حسابي من خلال هاكرز محترفين، ليس هذا فحسب بل وامتلاكها فريق كبير من محترفي السوشيال ميديا مالكي المئات بل والألاف من الصفحات المفبركة والتي خصصتهم لسبي وسب كل من يحاول أن يساعد أسماء، هذا كله ولكني لم أتحرك تجاه حربها أملا في إنقاذ أسماء الذي يعتبر إنقاذها هو الهدف الوحيد لا المشاكل والحروب التي لاجدوع منها سوى ضياع الوقت والحق.
بدأت رحلة الإنقاذ بالتوصل إلى أهل أسماء في منطقة الخصوص، أم وأب وإخوة في أسرة بسيط يحبون أسماء ولكنها لم تحبهم وكانت دائمة الهروب منهم والزواج دون إذنهم فقاطعوها ولكن ظروف تواجدها في الشارع جذبهم نحو ابنتهم من جديد متناسين المشاكل والخلافات فيأخذوها إلى البيت لتنعم بدفء الأسرة فتهرب وهكذا حتى علموا بذهابها لدار إيواء شهيرة فتوقفوا عن البحث عنها والسؤال عليها واثقين في هذه الدار وحمايتها لابنتهم.
لم تمانع الأسرة من عودة ابنتهم إليهم وحصلوا على وعد بمساعدتهم في مصاريفها مني ومن أبناء المطرية الذين تكفلوا بأسماء، وبدأنا بعدها بالتحرك نحو إجراء عملية مفصلية في حياة أسماء حيث ستعالج قدمها بعد القفزة الكبرى من الدور الثالث دون علاج الكسور، مما يهدد قدمها بالبتر وهو ما يرعبها.
اتفقنا مع الأسرة على إجراء العملية الجراحية ومن ثم تسلم ابنتهم ورعايتها مع دعم مالي شهري لتلبية كل احتياجاتها، وبدأنا بإجراءات الحصول على قرار العملية على نفقة الدولة فساعدنا الدكتور حيدر السلطان نائب رئيس المجالس الطبية في تسريع إجراءاها دعما لحالتها، ووافق الدكتور علاء الطحان استشاري العظام الشهير على إجراء العملية بدون الحصول على أي مقابل داخل مستشفى الهلال الذي رحب مديرها الدكتور أيمن خلاف بالحالة ووفر لها كل سبل المساعدة رأفة بحالها.
ساعات قليلة وتجرى العملية الجراحية، بدأنا في التجهيز وتحضير المساعدات لأسماء حتى ينقلوها على كرسيها المتحرك الذي أشتراه أهل الخير في المطرية لها، وتواصلت مع العائلة ليمضوا إقرار المسئولية عن تلك العملية الخطيرة، وأصبح كل شيء جاهز لانقاذ أسماء وتنفيذ عملية جراحية دقيقة تحتاجها حتى تستعيد قدرتها على الوقوف والحركة، وفجأة اختفت أسماء من الشقة التي أجرناها لها لنرعاها حتى ميعاد العملية ومن ثم تسليمها لأهلها أو لاي دار إيواء أخرى.
وعلمنا أنها ذهبت إلى دار الإيواء التي كانت فيها بعد إرسال فريق إنقاذ لها لإعادتها وايقافها عن الحديث عن الدار والتعذيب الذي لاقته فيها لدرجة جعلتها تنكر أنها تعرضت للتعذيب أمام صاحبة الدار خوفا منها وشعورها بأنها لو أغضبتها ستعاقبها مجددا داخل المستشفى، وهنا فسرت طلب صاحبة الدار تصوير فيديو مع أسماء قبل معرفة الحكاية، وهو ما كنت سأوافق عليه لولا حديث أسماء مع فريق التدخل السريع وتصوير فيديو معهم تؤكد فيه تعرضها للتعذيب، وأن كذبها أمام صاحبة الدار ونفيها حدوث تعذيب لها كان خوفا منها.
وأن الفيديو الذي تريده هذه السيدة مع أسماء ليس حبا فيها بل من أجل غسل سمعتها وسمعة دارها من ما تردد عن وجود تعذيب في دارها وتداول العديد من الصحف أفعالها مما أرعبها وجعلها تدخل فيما بعد في عداء كل من يحاول أن يساعد أسماء.
ولا ننسى هنا الدور الكبير الذي لعبه المحامي الشهير الأستاذ أيمن محفوظ الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في تداول قصة أسماء بصورة كبيرة جدا في الصحف والسوشيال ميديا بعد أن أعلن بشكل رسمي تقديم بلاغ للنائب العام ضد الدار وصاحبتها والمطالبة بالتحقيق معها والتأكد من امتلاكها الرخصة القانونية لممارسة هذا النشاط، والتأكد أيضا من عدم ممارستها أي عنف تجاه النزلاء بعد قصة أسماء المؤلمة.
أعادت أسماء وصورت معها فيديو ثم ألقتها في الشارع مرة أخرى وهذا ما علمناه بعد رحلة بحث طويلة عن أسماء التي بدأت حكايتها معنا مع الشارع وانتهت حكايتها معنا في الشارع بعد أن تم إلقاءها مرة أخرى فيه دون قدرة هذه المرة سوى على فعل شيء واحد هو إجراء العملية لها ثم تركها لمصير لا يعلمه إلا الله، فهل سيتحملها أهلها مجددا؟ وهل ستتحملهم هي مجددا؟، ماذا لو تركت المنزل وعادت إلى الشارع؟ هل ستبدأ قصتها من جديد بعد إعلان كلمة النهاية؟ أمور عديدة أطرحها في هذا التحقيق عن حكاية أسماء التي ارفقتها بالصور كدليل لكل حرف بخلاف أدلة صوتية موجودة تدعم كل اتهام لأي شخص ذكر وصفه وليس اسمه في تحقيقي.
في النهاية أود توجيه الدعوة إلى الجهات المعنية بالتحقيق مع صاحبة تلك الدار ومعرفة حقيقة ما تفعله في دارها التي تأكدنا أنها لا تملك أوراقا قانونية لممارسة نشاطها والتحقيق أيضا مع كل دار تزعم رعاية المشردين للتأكد من حسن التعامل مع النزلاء واحترام أدميتهم التي فقدوها في الشارع وزعمت هذه الجمعيات أنها ستأخذهم ليستعيدوها.
أوجه الشكر لكل مسئولي وزاة التضامن الاجتماعي، وكل المسئولين بوزارة الصحة الذين تعاطفوا مع حالة أسماء وساعدوها، أتوجه بالشكر أيضا لكل أهالي المطرية الجدعان الذي لا يسعى تحقيقي ذكرهم كلهم لأنهم عدد كبير جدا يصعب على عقلي استيعابه على ما فعلوه مع أسماء وعدم تقصيرهم معها.
وأتمنى أن تعلم صاحبة الدار أن لا يوجد خلاف شخصي معها ولا مع دارها بل خلافي الشخصي مع أي دار تطرد وتعذب مشرد فقط لكونه مشرد لا أهل له يسألون عنه ولا أشخاص يتحركون لجلب حقه، وهذا غير حقيقي لأن الجميع الأن يتعاطف مع هؤلاء ويتمنون أن يفعلوا أي شيء لإيواءهم من الشوارع ولهذا تتحصل تلك الدور وهذه الجمعيات على تبرعات ضخمة جدا لهذا الهدف النبيل الذي يتعامل معه البعض من زاعمي عمل الخير ليس فقط بقلة نبل بل وقلة أدب أيضا.
انتظروا الحلقة القادمة وتحقيق آخر عن المشردون في القاهرة وقصص مؤلمة لا تقل إيلاما عن قصة أسماء على أمل أن نساعدهم من خلال المخلصين في هذا المجال والذين هم موجودين أيضا كما موجود من ننتقدهم الآن حتى نكون منصفين، وفي الختام أتمنى من الله أن ينقذ كل أسماء موجودة في مصر من ويلات الشوارع وبرودة البعد عن الأهل والأحبة.
نقلا عن جريدة الكرامة